ستار أكاديمي واحد من برامج تلفزيون الواقع الذي لاقى رواجا في الغرب ، واصبح له
شعبية واسعة ، كونه يعكس صورة عن مخرجات الثقافة الغربية المتحررة ، وفي احيان
كثيرة تلك الخارجة عن الحدود باسم العصرنة والحداثة والحرية . وكالعادة فان كثيرا من "
الصرعات والتقليعات " الفنية والثقافية والاجتماعية الغربية قد وجدت لها بين ظهرانينا من
يروج لها ويسوقها ، وحجتهم في هذه الايام انه عصر العولمة ، وان كانت هذه العولمة
لها مسار واحد واتجاه واحد فقط صوب العالم العربي الاسلامي .
وستار أكاديمي الذي تعرضه حاليا احدى الفضائيات الناطقة بالعربية من لبنان للسنة
السابعة على التوالي هو " نسخة معربة " عن الاصل الفرنسي . وهو برنامج ربحي يعتمد
اعتمادا كليا على مصدرين تمويليين هما نصيبه من ريع المكالمات الهاتفية والرسائل
القصيرة " ٍ" sms ، وما تدفعه الشركات الراعية للبرنامج لقاء الدعاية الاعلانية لمنتجاتها
، وقد يكون هناك مصدر ثالث له غاياته واهدافه . وقد خصصت لهذا البرنامج قناة فضائية
تبث على مدار اربع وعشرين ساعة في اليوم .
وبداية ، فقد وجد هذا البرنامج له سوقا رائجة في العالم العربي ، وبخاصة بين الفئات
الشبابية ، كونه موجها في الدرجة الاولى لها ، وكون العالم العربي يعيش فراغا ثقافيا
انتمائيا جراء " سياسات " تربوية واجتماعية وثقافية مفروضة عليه فرضا ، وكونه
مستباحا من قبل عشرات القنوات الفضائية التي انتهكت مساحة شاسعة من محرماته
ومحظوراته الاخلاقية والقيمية ، واستهدفت عاداته وتقاليده واصالته وتراثه .
إنه برنامج لا يمت إلى واقع الفئات الشبابية العربية بصلة . هذه الفئات الساعية الى
تأمين لقمة عيشها بكدها وشقائها . انه يختار شبابا تتجسد هواياتهم بجمع السيارات
الجديدة ، وارتداء الملابس الموديرن ، واختيار العطور الفرنسية الأحدث ، وإحياء السهرات
المختلطة القائمة على الرقص والغناء الغربي .
أما الفتيات اللواتي يختارهن هذا البرنامج فإنهن متحررات ، ويبدو هذا جليا في نوعية
الملابس شبه العارية والضيقة جدا والقصيرة الفاضحة التي ترتديهن ، مضافا إلى هذا
تبرجهن ، ونزولهن إلى المسبح وهن ترتدين ملابس السباحة ، وجرأتهن في التعامل مع
الشبان داخل الأكاديمية والتي تصل إلى حد المعانقة والمخاصرة والتقبيل .
وبكل بساطة ، فما سبق ان شاهدناه ونشاهده في هذا البرنامج يدفعنا للتأكيد بانه
ينتمي الى ثقافة دخيلة مفروضة على العالم العربي الاسلامي ، وبالتالي فهي مرفوضة
حفاظا على ابنائنا وبناتنا الذين يفترض بهم ان يكونوا متسلحين بقدر معقول من ثقافة
امتهم واصالتها بهدف تعزيز هويتهم الانتمائية لها ، دون فرض أي انغلاق عليهم او
تقوقع . وثمة فرق هائل بين التأثر بالتيارات الثقافية الرزينة والرصينة البناءة والهادفة
والمربية وبين التيارات الاباحية الماجنة التي تقتلع من الجذور وتعري من الجلد .
ولسنا في هذا الصدد نتجنى على هذا البرنامج ، او اننا نصفه بما ليس فيه ، او اننا
ننطلق من تعصب اعمى ضد الثقافة الغربية التي يمثلها ، او اننا نعارض " التلقيح
الثقافي " شريطة ان لا يكون " سفاحا " ثقافيا . وهنا فاننا ننوه الى ان هذا البرنامج قد
ووجه بانتقادات شعبية في كثير من الاقطار العربية وآخرها الجمهورية الجزائرية رغم انها
هي الاقرب الى الثقافة الغربية ، والاوسع انفتاحا عليها من أي قطر عربي آخر .
لقد اقدمت الحكومة الجزائرية في حينه على ايقاف بث هذا البرنامج بتدخل من رئاسة
الجمهورية الجزائرية نظرا – وهنا اقتبس – " لكونه يخدش الحياء ، وما ظهر جليا في ردود
افعال المواطنين الذين اطلقوا نداءات استغاثة لكل الغيورين على حرمة المجتمع
الجزائري .
وحقيقة الامر ان ستار أكاديمي يخالف سلوك المجتمعات العربية وعاداتها ، وينقل ثقافة
لا تعبر عن الثقافة العربية الاسلامية . وثمة الكثير الكثير من التجاوزات السلوكية
والتعديات الاخلاقية في ستار اكاديمي التي تفرض توجيه النقد الصارخ لها وعدم السكوت
عنها . ومثالا لا حصرا الملابس وطريقة اللباس التي تظهر بها الشابات ، فهي شبه عارية ،
ضيقة تبرز معالم اجسامهن بشكل فاضح ومستهتر .
واضافة الى هذا فان طريقة التعامل بين الشبان والشابات لا تخضع على ما يبدو لاية قيود
او حدود . فما يشاهد من عناق وتقبيل ومخاصرة ورقص وطريقة مخاطبة مائعة هي امور لا
يصدق انها تعرض علنا بهذا الشكل الفاضح السافر على اسر المجتمعات العربية المحافظة
بطبيعتها ، الا ان هذا هو الواقع الاليم .
والسؤال العريض المتعدد الجوانب والابعاد الذي يطرح نفسه في هذا السياق : لماذا ؟ وما
هو الهدف ؟ هل هي الحرية ، وهل تكون الحرية هكذا ؟ وهل هذه هي منظومة الحداثة
والعصرنة والتطور والرقي ؟ وهل هذا هو المقصود بالعولمة ؟ او ليس الاعلام رسالة بناءة
هادفة ، وهل من حقه ان ينتهك المحظورات الاخلاقية في عصر لا يمكن السيطرة فيه على
وسائله التقنية ومنها البث الفضائي ؟ اليس هناك وازع من ضمير ، ام ان الربحية هي
الهدف باي ثمن ؟ أم ان هناك اهدافا خبيثة اخرى موجهة ضد الاجيال العربية الناشئة
ترمي الى تفكيك عناصر مركباتها الثقافية الانتمائية ، وزجها في متاهات التفاهة
والتسطيح والخمول والضياع والتقليد الاعمى ؟ .
انها اسئلة مشروعة من حقنا ان نسألها . ومرة اخرى فنحن من خلالها لا نتجنى على هذا
البرنامج ، ولا نقف في وجه التطور والرقي الحقيقيين . وثمة سؤال آخر نسأله : اية فائدة
تجنى من هذا البرنامج ، وهل حقا انه يخرج نجوما يفتقر العالم العربي لها ؟ . ونجيب :
ان المتتبع لستار اكاديمي يخرج بنتيجة مفادها انعدام الابداع في " وجباته الفنية "
والتي لاتسمن ولا تغني من جوع . هناك فقط اجترار لاستعراضات فنية ، ولاغنيات معادة
لفنانين وفنانات معروفين . ليس هناك مبادرات ابداعية ، اللهم الا التقليد والتقليد فقط .
الا ان الاهم من كل هذا وذاك ان هؤلاء الشبان والشابات سوف يتساقطون الواحد تلو الآخر
كما تقتضي قوانين البرنامج ، ليبقى في النهاية واحد فقط يحصل على اللقب بطريقة
تصويت او باخرى تتحكم بها عدة عوامل لا تمت الى الفن بصلة ، تشتم منها رائحة "
التعصب القطري " في التصويت حيث الغلبة في كثير من الاحيان للمصوتين من الاقطار
العربية ذات الامكانيات المادية والتي تفتح باب التصويت العالي الكلفة على مصراعيه ،
وهذا امر لا يتوفر لآخرين ذلك ان الاقطار العربية ليست كلها على قدر واحد من الغنى .
ان العالم العربي يمر في هذه الايام بمرحلة انعدام الوزن والتأثير ، تتحكم بمؤسساته
الرسمية عقد النقص والشعور بالدونية امام كل ما يهب عليه من تيارات وصرعات ثقافية ،
لا يميز بين ما هو غث او سمين . لقد ترجل عن صهوة الابداع وارتمى في احضان
التقليدالاعمى ، والانكى من كل هذا وذاك انه خرج من جلده ، وتنكر لتاريخه المجيد
وتراثه واصالته . ويخشى لاسمح الله اذا ما استمر ت الحال على هذا المنوال ان تتقطع
جذوره ، وان يفقد صلته بكل منتمى له ، وان لغته العربية التي هي مستودع ثقافته وتميز
شخصيته تترنح في مهب اللغات الغربية التي قلصت مساحة انتشارها مثل صارخ على ما
نحذر منه .
ويخطىء من يظن ان الاستعمار قد انتهى ، ويخطىء من يظن ايضا ان الاستعمار هو
اقتصادي او سياسي فقط . لقد وجه الاستعمار الغربي رأس حربته منذ قرون ولا يزال الى
الثقافة العربية الاسلامية ، ذلك انها كانت تشكل على الدوام عامل الافشال الرئيس لكل
مخططاته ومشروعاته التي تهدف الى تصفية وجوده الفكري والثقافي .
ان الاستعمار الغربي - باسم الحريات العامة والتحرر والديموقراطية والعصرنة والحداثة
والتغيير والعولمة والتطور والرقي الى آخر ما في قاموسه هذا من مسميات - سعى جادا
وما زال يسعى الى استهداف الثقافة العربية الاسلامية كي تستتب له الامور ويصبح العالم
العربي تابعا استهلاكيا منقادا مشلول التفكير ، منقطعا عن ماضيه المجيد ، فاقدا لكل
قواه الذاتية والابداعية ، يدور في فلكه ويقتات على فتات موائده الثقافية .
كلمة اخيرة ، ان ستار أكاديمي ، وما تعرضه كثير من الفضائيات الناطقة بالعربية باسم
الفن ليلا نهارا على المشاهدين العرب ، دون ان تكون هناك ادنى مراقبة رسمية لها ، ان
هذا يشكل غزوا ثقافيا متجددا وباساليب حديثة ومغرية ، والانكى من هذا كله ان جنرالات
هذا الغزو ينتمون الى الامة العربية ، يسوقون هذه الانماط من الثقافة الغربية في
دكاكينهم . انها ثقافة تنتهك جسد المرأة وتستبيحه .
انها تسمم عقول الناشئة ، وتشعل في اجسادهم الغرائز الحيوانية . انها تقزم اهدافهم
وتحصرها في المتع واللهو والملذات والعبث . انها في المحصلة تشكل خطرا يصل في
مستواه الى درجة الوباء . ولهذا فهي ثقافة مرفوضة . ويظل الامل معلقا على اناس آمنوا
بربهم وبامتهم وتاريخهم وامجادهم ، لم يبيعوا انفسهم للشيطان ، يتصدون بكل قواهم
لهذا الغزو الثقافي .