عزيزي القارئ الكريم إنّ لغض البصر فوائد عظيمة، ومنافع جمّة، وثمرات يانعة، يقطفها المرء في الدنيا والآخرة، من ذلك:
1- تخليص القلب من ألم الحسرة، فإن من أطلق نظره دامت حسرته؛ فأضرُّ شيء على القلب إرسال البصر، فإنّه يريه ما يشتد طلبه ولا صبر له عنه، ولا وصول له إليه، وذلك غايةُ ألمه وعذابه، قال الأصمعي: رأيت جارية كأنّها مهاةٌ، فجعلتُ أنظر إليها، وأملأُ عيني من محاسنها، فقالت لي: يا هذا ما شأنُك؟ قلت: وما عليك من النظر؟ فأنشأت تقول:
وكنتَ متى أرسلت طرْفك رائداً **** لقلبك يوماً أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كلّه أنت قادرٌ **** عليه ولا عن بعضه أنت صابر
والنظرة تفعل في القلب ما يفعل السهم في الرمية، فإنّ لم تقتله جرحته، وهي بمنزلة الشرارة من النار تُرمى في الحشيش اليابس، فإن لم تُحرقه كله أحرقت بعضه.
2- إنّ غضّ البصر يورث نوراً للقلب، وإنشراحاً للصدر، وجلاءً للبصيرة ووضوحاً في الرؤية، ويجعل الإنسان أكثر إيماناً وأكثر يقيناً وأكثر إستمتاعاً بالنظر الأجمل، والنور الأكمل؛ نور الله جلّ وعلا. ولحكمة معيّنة جاء بعد هذه الآيات قوله تعالى: (اللهُ نُورُ السَّماوات وَالأَرْضِ) (النور/ 35)، فالله تعالى يجزي العبد على عمله بما هو من جنسه، فلما منع العبد نور بصره أن ينفُذ إلى ما لا يحل له، أطلق اللهُ نورَ بصيرته، وفتح عليه باب العلم والمعرفة.
3- إنّ العين مرآة القلب، فإذا غض العبد بصره غض القلب شهوته وإرادته، وإذا أطلق العبد بصره أطلق القلب شهوته، إنّ النظرات كلما تواصلت وكثرت كانت كالماء يسقي الشجرة، فلا تزال تنمو حتى يفسد القلب ويُعرض عن الفكر فيما أمر به ربه، ويخرج بصاحبه إلى المحن، ويوقعه في الفتن.
4- أنّه يورث صحّة الفراسة، فإنها من النور وثمراته، وإذا استنار القلبُ صحّت الفراسةُ.
5- أنّه يفتح له طرق العلم وأبوابه، ويسهّل عليه أسبابه، وذلك بسبب نور القلب، فإنّه إذا استنار ظهرت فيه حقائقُ المعلومات، وانكشفت له بسرعة، ونفذ من بعضها إلى بعض. ومن أرسل بصره تكدّر عليه لبُه وأظلم، وأنسدّ عليه بابُ العلم وطُرُقه.
6- أنّه يورث قوة القلب وثباته وشجاعته، فيجعل له سلطان البصيرة مع سلطان الحجة.
7- أنه يُورث سروراً وفرحاً، وإنشراحاً أعظم من اللذة والسرور الحاصل بالنظر، وذلك لقهره عدوّه بمخالفته ومخالفة نفسه وهواه، وأيضاً فإنّه لما كفّ لذته وحبس شهوته لله، وفيها مسرّةُ نفسه الأمّارة بالسوء، أعاضه الله سبحانه مسرّةً ولذة أكمل منها، كما قال بعضهم: "والله لَلَذَّةُ العفة أعظم من لذة الذنب، ولا ريب أنّ النفس إذا خالفت هواها أعقبها ذلك فرحاً وسروراً ولذة أكمل من لذة موافقة الهوى.
8- أنّه يسدّ عنه باباً من أبواب جهنم، فإنّ النظر بابُ الشهوة الحاملة على مواقعة الفعل.
9- أنّه يقوِّي عقله ويزيده ويثبّته، فإن إطلاق البصر وإرساله لا يحصل إلا من خِفّة العقل وطيشه وعدم ملاحظته للعواقب.
وأعقل الناس من لم يرتكب سبباً **** حتى يُفكّر ما تجني عواقبه
10- أنّه يُخلّص القلب من سُكر الشهوة ورقدة الغفلة، فإن إطلاق البصر يُوجب إستحكام الغفلة عن الله والدار الآخرة، ويوقع في سكرة العشق، كما قال الله تعالى: (لَعَمْرُكَ إنَّهُم لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُون) (الحجر/ 72).
11- أنّه سبب لمرضاة الله تعالى ونيل كرامته، والفوز بجنته، والتلذذ برؤية أكمل مطلوب، وأجمل محبوب، وهو وجهه الكريم جلّ وعلا.
يقول (ص): "اضمنوا لي ستاً من أنفسكم أضمن لكم الجنة: أصدقوا إذا حدّثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدُّوا إذا اؤتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضّوا أبصاركم، وكفوا أيديكم".
المصدر: كتاب اللهُ أهل الثناء والمجد