الحديث
عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(قال الله : انفق يا ابن آدم انفق عليك)
رواه البخارى
شرح الحديث
قَالَ الله تعالى: ( أَنْفِق ) أمرٌ بالإنفاق على عباد الله ( أُنْفِق عَلَيك ) جواب الأمر، أي أُعطِيك خلفه بل أكثر منه أضعافاً مضاعفة
" وما أنفقتم من شيء فهو يُخلِفه "،
وقد امتثل المصطفى صَلَّى الله عليه وَسَلَّم أمر ربه
فكان أكثر الناس إنفاقاً وأتمهم جوداً
....................................
امتدح الشارع الحكيم الإنفاق والمنفقين في أوجه الخير وضمن للمنفق الخلف لان النفس البشرية تخشى الفقر فقال تعالى : (وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه) (سبأ : 39 ) ..
ويروي أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقاً خلفاً ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكاً تلفا) متفق عليه .. وعنه أن رسول الله قال : (قال الله تعالى : أنفق يا ابن آدم ينفق عليك) متفق عليه .
وليكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوتنا في ذلك فعن عائشة رضي الله عنها أنهم ذبحوا شاة فقال النبي : (ما بقي منها ؟ قالت : ما بقي منها إلا كتفها . قال : بقي كلها غير كتفها) رواه الترمذي وقال حديث صحيح
........
هذا الحديث من الأحاديث العظيمة التي تحث على الصدقة والبذل والإنفاق في سبيل الله ، وأنها من أعظم أسباب البركة في الرزق ومضاعفته ، وإخلاف الله على العبد ما أنفقه في سبيله .
فضل الإنفاق
جاءت النصوص الكثيرة التي تبين فضائل الصدقة والإنفاق في سبيل الله ، وتحث المسلم على البذل والعطاء ابتغاء الأجر الجزيل من الله سبحانه ، فقد جعل الله الإنفاق على السائل والمحروم من أخص صفات عباد الله المحسنين ، فقال عنهم :{ إنهم كانوا قبل ذلك محسنين ، كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون ، وبالأسحار هم يستغفرون ، وفي أموالهم حق للسائل والمحروم } ( الذاريات 16-19) وضاعف العطية للمنفقين بأعظم مما أنفقوا أضعافاً كثيرة في الدنيا والآخرة فقال سبحانه :{ من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة } ( البقرة 245) .
والصدقة من أبواب الخير العظيمة ، ومن أنواع الجهاد المتعددة ، بل إن الجهاد بالمال مقدم على الجهاد بالنفس في جميع الآيات التي ورد فيها ذكر الجهاد إلا في موضع واحد ،
يقول - صلى الله عليه وسلم - جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم )
رواه أبو داود .
وأحب الأعمال إلى الله كما جاء في الحديث
( سرور تدخله على مؤمن ، تكشف عنه كرباً ، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً ) ،رواه البيهقي ، وحسنه الألباني .
والصدقة ترفع صاحبها حتى توصله أعلى المنازل ، قال - صلى الله عليه وسلم -
إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي فيه ربه ، ويصل فيه رحمه ، ويعلم لله فيه حقاً فهذا بأفضل المنازل... )
رواه الترمذي .
كما أنها تدفع عن صاحبها المصائب والبلايا ، وتنجيه من الكروب والشدائد ، وفي ذلك يقول - صلى الله عليه وسلم :
( صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات ، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة )
رواه الحاكم وصححهالألباني ،
أضف إلى ذلك إطفاؤها للخطايا وتكفيرها للسيئات ، ومضاعفتها عند الله إلى أضعاف كثيرة ، ووقايتها من عذاب الله كما جاء في الحديث
( اتقوا النار ولو بشق تمرة )
رواه البخاري
وغير ذلك من الفضائل .
فهو يخلفه
ومن فضائل الصدقة التي دل عليها هذا الحديث القدسي مباركتها للمال ، وإخلاف الله على صاحبها بما هو أنفع له وأكثر وأطيب ، وقد وعد سبحانه في كتابه بالإخلاف على من أنفق - والله لا يخلف الميعاد - قال تعالى :
{وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين }(سبأ 39)،
أي مهما أنفقتم من شيء فيما أمركم به وأباحه لكم ، فإنه يخلفه عليكم في الدنيا بالبدَل ، وفي الآخرة بحسن الجزاء والثواب ، فأكد هذا الوعد بثلاث مؤكدات تدل على مزيد العناية بتحقيقه ، ثم أتبع ذلك بقوله :{وهو خير الرازقين }لبيان أن ما يُخْلِفه على العبد أفضل مما ينفقه .
ومما يدل أيضاً على أن الصدقة بوابة للرزق ومن أسباب سعته واستمراره وزيادته ، قوله تعالى :{لئن شكرتم لأزيدنكم }( إبراهيم 7)
والصدقة غايةٌ في الشكر .
كما أن نصوص السنة الثابتة جاءت بما يؤكد هذا المعنى الذي دلت عليه آيات الكتاب، ومنها قوله - صلى الله عليه وسلم - :
( .. وما فتح رجل باب عطية يريد بها صلة إلا زاده الله بها كثرة .... )
رواه أحمد ،
وقوله:
( ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقا خلفا ، ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا ) أخرجاه في الصحيحين .
وفي مقابل ذلك جاءت نصوص عديدة تردُّ على من ظن أن الصدقة منقصة للمال ، جالبة للفقر ، وتبين أن الشح والبخل هو سبب حرمان البركة وتضييق الرزق ، يقول- صلى الله عليه وسلم- :
( ثلاثة أقسم عليهن، وأحدثكم حديثا فاحفظوه ، قال : ما نقص مال عبد من صدقة .... )
رواه الترمذي .
وعادَ - صلى الله عليه وسلم-بلالاً ذات مرة في مرض أصابه ، فأخرج له بلال كومة من تمر ، فقال : ما هذا يابلال؟ قال : ادخرته لك يا رسول الله ، قال :
( أما تخشى أن يجعل لك بخار في نار جهنم ، أنفق يا بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالاً )
رواه الطبراني وغيره بإسناد حسن .
إضافة إلى أن الواقع والتجربة المشاهدة والمحسوسة ، تثبت أن المعونة تأتي من الله على قدر المؤونة ، وأن رزق العبد يأتيه بقدر عطيته ونفقته ، فمن أَكثر أُكثر له ، ومن أقل أُقِل له ، ومن أمسك أُمسِك عليه ، وهو أمر مجرب محسوس ، والقضية ترتبط بإيمان العبد ويقينه بما عند الله ، قال الحسن البصري رحمه الله : "من أيقن بالخُلْف جاد بالعطية''