في هذا العالم العجيب الغريب الفريد النادر، الذي لم نكن لنعلم أننا سنعيش مثيله!.. تلتفُّ حولنا التناقضات، تحيطنا من كل الاتجاهات، أينما ولينَا وجهنَا رأينَا وسمعنَا وذُقنَا وأحسسَنا ولمسنَا وتأثرنَا بثلةِ التناقضات، التي أضحت سمةً ضروريةً أساسيةً بالحياة..
تُرى ؟!
كيف أستقيم؟ وفي كل يومٍ يتغيرُ طعم قهوتي الصباحية.. لم يعد ينفع معها لا صنعها بالماء المعدني ولا شراؤها من أفخم محل، ولا تزويدها بنيران مشتعلة.. فقد أضحت اليوم من دون ذوق ولا طعم!
كيف أستقيم؟ وصباحي يبتدئُ بمعكرات الزمن، أينما وليتُ وجهتي سمعتُ ورأيتُ وذُقتُ وتحسستُ الكثير من العجب من أشباه البشر الذين عافتهم البشرية، وملتهم وظيفة الإنسان!
كيف أستقيم؟ والسِّلبيات من حولي تتدافع أمام ناظري كل يومٍ وليلةٍ، والتناقضات تطعمُني من بجاحتها ما يسدُّ الشهية، ويُبعد الرغبة بالأكل أو التلذذ بأية وليمة!
كيف أستقيم؟وعالمي الذي أعيشه يمتلأ دخانًا لا هواءً، ماؤهُ أجاجٌ، وعطرهُ نفاثٌ، وصوتهُ نشاز، وأعمالهُ خراب!
كيف أستقيم؟ الأهل ما عادوا أهلاً.. الأصدقاء امتلأت عيونهم غدرًا.. والكون امتلأ بطشًا وظلمًا، جورًا وقهرًا، غطرسةً سرقةً سرًا وجهرًا!
كيف أستقيم؟ وما عدتُ أجدُ لي شبيهًا، وأصبح الكون حولي كله غريبًا غريبًا.. فِعالهُ ظلال، أقواله ظلام، تبسماته سراب، ومسعاهُ غير المسعى الذي أفهمه وأعيه وأثق به!
كيف أستقيم؟ وأنا أعيش فوق أرضٍ ترتجُ من حولي، لا تثبت على حالٍ مُرضي! نظري تعوّدَ على مبطلات الأمور، سَمعي قد تعوّد على أصواتِ الجنون، ورجلايّ ما عادت تجد سبيل الأمان..
كيف أستقيم؟ والضياع يلفُني، والشتات يحتويني، والهذيان يعيشُني، والجنون يسكنني..
كيف أستقيم في دنيا الإنسان، الذي لا يعرف من دور الإنسانية سوى اللقب الذي منحته إياه الحياة خطئًا، فكان عارًا أن لُقب بالإنسان !
تساؤلي
-أن تستقيم لتعيش إنسانًا طبيعيًا في مثل هذا الزمن فهذا ضربٌ من المُحال، فهل أصبح من الطبيعي أن نبحث عن الطبيعية فينا؟ عن الوجه الحقيقي لنا؟ عن الطريق السوي لنا؟
-أين نحن منَّا؟ ومن الإنسانية؟ ومن الاستقامة؟ ومن الطريق السَّوي؟