قالت:
أحب نفسي كثيراً وأقضي معها أوقاتاً طويلة..
مرة بالعناية بشعري ،وأخرى بأظفاري،
يوميا أرطب بشرتي لتكون ناعمة، وأرش عليها أغلى العطور..
أنفق على جمالي أموالاً باهظة ..فلا أشتري إلا من أغلى السلع.
بصراحة لأني أحب نفسي...
ولست بخيلة عليها فلا تلوموني إن دللتها، فأنا أرى أني أستحق كل هذا.
قبل أن أنام أنظف وجهي وأضع عليه مستحضرات العناية المسائية
وعندما أستيقظ أفعل الشيء نفسه وأضع مستحضرات العناية النهارية
أهتم برشاقتي وأحافظ يومياً على التمارين الرياضية.
فأنا أحب نفسي
وأمتع سمعها بالموسيقى وكلمات الغناء العاطفي التي تثيرها و تداعب مشاعرها
وأرسل نظرها فيما تشتهي دون أن أمنعها من شيء لأنه محرم مثلاً
وإن أرادت أن تقيم علاقات مع الجنس الآخر فإني أتغاضى عن ذلك إن كان يسعدها
كما أني أتسكع معها في الأسواق أوقاتاً طويلة أبحث عن ..(لاشيء)
لأني كما أخبرتكم أحب نفسي..
ولكني اكتشفت مؤخراً أني أكره نفسي..!!
ولم أحببها حقيقة في يوم من الأيام..!
فماذا أعطيت نفسي ولأي شيء أعددتها..؟
لقد أحببت بشرتي في الدنيا وكنت أرطبها وأخاف عليها من الجفاف
وكرهتها في الآخرة عندما كشفتها للرجال ولم أخف عليها من النار
حافظت على (كريمات) الصباح والمساء
ولم أحافظ على أذكار الصباح والمساء
اعتنيت بجسدي ورشاقته ولم أعتني بسجوده وركوعه لمن خلقه وسواه
ذهبت مرات عديدة لمصففة الشعر لأجدد لون شعري
ولم أذهب مرة واحدة لمجلس ذكر أجدد به إيماني
حفظت وكتبت وصفات كثيرة لأزيد جمالي
ولم أكتب علما أو أحفظ آيات أزيد بها حسناتي
فيا حسرتا على تفريطي...
{أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56)}الزمر : 56
نعم أنا أكره نفسي هذه هي الحقيقة.. لم أحببها يوماً..لم أفكر في مصيرها
لقد ضيعتها وضعت معها.. حينما قضيت معها أوقاتا في اللهو ولم أقض معها
أوقاتا في العبادة..
ما تلوت معها القرآن ولا تدبرته
ما أمرتها بالصدقة ولا فعلتها
لم أصومها أياما فرضها الله
لم أحفظها من المعاصي بل أنا التي عودتها عليها، وجعلتها تتلذذ بها،
حتى أصبحت لا تطاوعني في الخير..
آه ... أكرهك يا نفسي
الآن علمت أن العلاقة التي بيني وبينك كانت خطأ كبيرا
لم أنصح لك .. لم أنفعك .. لذلك لم تنفعيني
{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)}الشمس : 7 - 10
نعم.. قد كنت كذلك.. أنا التي خابت.. أنا من دساها
أين أنتم يا من كنت أتجمل من أجلكم..؟
أين أنتم عني يا من مدحتم جمالي وأناقتي ؟
لماذا لا تعطوني قليلاً من حسناتكم يوم القيامة..؟
ألم أقض أوقاتاً طويلة في الأسواق ، وأخرى في التجمل ليعجبكم حسني
ألم أبهركم بتسريحة شعري وكحل عيني وتبرجي..؟
ألم ألبس العاري والبنطلون من أجلكم لتقولوا عني حلوة وأنيقة
ألم تسألوني عن أسرار جمالي فأجبتكم ونفعتكم..
لماذا لا تنفعوني يوم حاجتي لكم {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} الانفطار : 19
لقد خسرت نفسي لأرضيكم..
جهدي .. ومالي .. ووقتي ..وحتى عبادتي ضيعتها من أجلكم..
فكم من صلاة أخرتها لأني كنت أضع (الماكياج) لكم وحضر وقتها وأنا على غير طهارة ، فرفضت نفسي إزالة (الماكياج) للوضوء للصلاة من أجل حضوركم..!
فحضوركم وحضور وقت الصلاة معادلة صعبة..!
فكان حضوركم له هيبة عندي ليس للصلاة مثلها ولا نصفها !
{فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5)} الماعون : 4 – 5
لقد كنت أعبد أعينكم وما تقولونه عني.
كنت في الأسواق أبخل بالصدقة من أجلكم
كم من فقير طلبني بعينيه قبل أن يمد يديه ، وكنت أحس بصدق حاجته فأعرض عنه ، لأن المال الذي معي لا يكفي لأناقتي المترفة وللصدقة عليه معاً
فكنت أختار ملابس ثمينة على صدقة أستظل بها يوم القيامة
{ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الفقراء} محمد : 38
ماذا فعلتم بي..؟ وماذا فعلت بنفسي..؟
جلست معكم في أحاديث الغيبة والنميمة
تبادلنا الأغاني والأفلام ،وفعلنا منكرات كثيرة
كل هذا أجاملكم حتى لا تكرهوني أو تملوا مني
وما رحمت نفسي المسكينة.. حملتها الوعيد من رب العالمين من أجل رضاكم المفقود..! فهل ستعطونني من حسناتكم يوم القيامة..؟
أو تأخذون من سيئاتي واحدة فقط..؟
تذكروا أني ضحيت بمصيري في الآخرة من أجل موافقتكم على معاصيكم
تقريباً أهلكت نفسي مجاملة لكم..
هل تعرفون معنى أهلكت نفسي..؟ أظنكم لا تعرفون
فمن لم يرحم نفسه من المعاصي فكيف يرحم غيره منها..!
{وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ}الأعراف:9
نعم خفت موازيني فأنا لم أشغلك يا نفسي بالعمل الصالح
ما نفعتني نظرات إعجابهم ولا مدحهم الزائف
وما منحني ذاك حسنة أثقل بها الميزان..
بل قدمنا يا نفسي أنا وأنت تنازلات كثيرة ، أفقدتنا قيمتنا وأوقعتنا في الإثم معاً.
آه يانفسي المسكينة أبكي عليك حسرة..
ليتني أحسنت إليك حبيبتي...
سامحيني لقد نسيتك من الخير{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19)} الحشر : 19
سأمنحك الحب مجدداً .. ولكنه حب من نوع آخر
لم تألفيه .. لم تعرفيه .. فهل تقبلين ..؟
سأكفر عن ظلمي لك بالمعاصي .. وإشغالي لك بما لم تخلقي له
وأستغفر ربي على أوقاتٍ من العمر ضيعناها سوياً
هيا يا نفسي أعينيني ولا تخذليني فمصيرنا واحد
أنا وأنت سوياً سندخل قبراً واحداً ..
روضة من جنان أو حفرة من نيران
ساعديني لننعم سوياً.. لنذيق هذا الجسد نعيم الآخرة
لنحبه حباً صادقاً.. لنخاف عليه من الحميم والغسلين
لنعطره بعطور الجنة .. لنكسوه من الإستبرق والحرير
لننير هذا الوجه برؤية الرحمن..
{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} القيامة : 22 - 23
أحبك نفسي ...
وأريد لك الجنة ... أعلاها ... الفردوس
لن أجعل وقتك .. جهدك .. قدراتك .. إلا فيما يسعدك دنيا وآخرة
سأظل أعتني بك ، وأسقيك حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم
فأنت أغلى .. وأنت أعلى من تفاهات الدنيا
أحبك نفسي وأسأل الله أن يرحمنا
{يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (111)} النحل : 111
اللهم إني أسألك نفساً مطمئنة
تؤمن بلقائك..
وترضى بقضائك..
وتقنع بعطائك.