العرب وثقافة الخلاف(الدكتور صلاح جرار)
هنالك فرق كبير بين الخلاف والاختلاف،فالاختلاف امر مشروع لان الله سبحانه وتعالى قدر اختلاف الناس في الوانهم والسنتهم وطبائعهم وعاداتهم ومعتقداتهم ولم ينكر على الناس شيئا من هذا الاختلاف،لانه ليس من صنع ايديهم بل هو اية من ايات الله تعالى(ومن اياته خلق السماوات والارض واختلاف السنتكم والوانكم ان في ذلك لايات للعالمين ....الروم22) اما الخلاف فهو التنازع والتناحر والاقتتال والتدابر وغير ذلك مما ليس فيه اي مصلحة للامة قطعا،وقد استقرت صورة العرب في الزمن الراهن على انهم شعب ينزع الى الخلاف فيما بينهم ولا يجيدون ثقافة الاختلاف، فمن النادر ان تجد بلدا عربيا يسلم من وباء الخلاف بين ابنائه على خلفيات قطرية او عرقية او طائفية او مذهبية او فكرية او غير ذلك، ومن النادر ان تجد بلدا عربيا غير مخترق من ايد خفية خارجية توقد نار الخلاف وتحركه، وقد ادى اشتغال الدول العربية بخلافاتها الداخلية الى تجميد مشاريع التطور والنهضة وتاجيل النظر الىتفاقم هذه التحديات الى الدرجة التي اصبح فيها حل هذه الازمات ومواجهة هذه التحديات امرا ميؤوسا منه والى الحد الذي اصبح فيه الخلاف مقترنا بالتخلف.
ان مبعث هذه الافة الخطيرة في الواقع العربي امران رئيسيان، اولهما ان كثيرا من ابناء العرب لايفرقون بين الخلاف والاختلاف ولا يفرقون بان الاختلاف حق لكل انسان لايجوز الاعتراض عليه فليس لاحد يد في ان يولد مسلما او مسيحيا او مجوسيا او سنيا او شيعيا او اسود او ابيض او عربيا او كرديا او بربريا او قبطيا، ولذلك فان المواطن في اي بلد عربي ينبغي ان يحاسب على افعاله فيكافا اذا احسن واجاد ويعاقب اذا اساء او قصر،ولا يجوز باي حال ان يحاسب على لونه او اصله او مذهبه او دينه او غير ذلك .
واما المصدر الثاني الاساسي لافة الخلاف داخل البلدان العربية او بين البلدان العربية ذاتها فهو ما نشات عليه المجتمعات العربية منذ القديم من ثقافة الخلاف التي نرضعها لابنائنا مع حليب امهاتهم ونسطرها بدفاترهم منذ اول نقطة مداد تسيل من اقلامهم وصولا الى اخر مرحلة من مراحل دراستهم العليا،فنعلمهم منذ البداية اخبار حرب البسوس وحرب داحس والغبراء وايام العرب،ونعلمهم الفوارق بين المذاهب الفقهية الاسلامية والخلاف بين المدارس النحوية ...مدرسة الكوفة ومدرسة البصرة...والخلاف بين العباسيين والامويين وبين السنة والشيعة ومعركة الجمل وصفين وحتى نقائص جرير والفرزدق وغير ذلك مما لايحصى كثرة...وبذلك فاننا نشحن الناشئة بروح الخلاف ونزرع في عقولهم ثقافة الخلاف منذ نعومة اظفارهم.
ان التخلص من هذه الافة الخطيرة التي تمزق الصف وتزرع الاحقاد المزمنة،لا يتحقق الا بتخليص المناهج الدراسية العربية من كل ما يتصل بالخلافات التاريخية...من غير ان يخل ذلك بالحقائق التاريخيةاو الدعوة لتنمية الفكر النقدي البناء لدى الناشئة العرب وبدلا من التركيز على مظاهر الخلاف يستطيع المخططون التربيون وواضعو المناهج....وكذلك وسائل الاعلام العربية ان يوجهوا الناشئة والراي العام الى الوفاق والاتفاق واضاءة سبله والاسباب المؤدية الى تحقيقه..وان يسلطوا الاضواء على صور تاريخية قديمة وحديثة من التعاون والايثار وبذل النفس والنفيس من اجل الاخرين،وابراز دور التعاون والوحدة والتماسك في نهضة الامم وتحقيق امال الشعوب.....وينبغي كذلك التاكيد ان الاختلاف حق طبيعي للانسان وانه يمكن استثماره استثمارا بناء بدلا من اتخاده منطلقا او اساسا لاثارة الخلافات والاحقاد بين الناس .
( ايها الاخوة ما رايكم ان نحاول من خلال الابتسامة ان نفرق بين الخلاف والاختلاف وكذلك نفند
مقولة ابن خلدون اتفق العرب على ان لايتفقوا.....)