الفن بين الاعتدال والابتذال
لازال مستوى الفن بصفة عامة في انحدار شديد وتردي من سيء على أسوأ
فهو لم يعُد وأقصد هنا الفن المعاصر على إختلاف أنواعه الفنية وتحديداً فني الغناء والتمثيل التي لم تعد كالسابق ترضي أذواق العامة من الناس إلا ما ندر سيما وأن الساحة الفنية أصبحت تشهد بين الفينة والأخرى ميلاد العديد من الأصوات والوجوه الجديدة والتي لا يمت أغلبها للفن بصلة إلا القلة القليلة منهم والتي تمتلك فعلاً أدوات الفنان الأساسية إلى جانب الموهبة الحقيقية والتي من خلالها يتم التمييز بين الفنان الحقيقي والفنان المزيف
إذ أنه وللأسف الشديد أصبحنا نلحظ أن أغلب المتواجدين الآن على الساحة الفنية لا يمتلكون ولا أقل القليل من تلك الأدوات والمهارات التي تؤهلهم فعلاً لحمل لقب فنان إذ أن هذا اللقب لم يكن الحصول عليه بالأمر السهل فيما مضى إذ كان الفنان يتعب على تأهيل نفسه وتأسيسها التأسيس الجيد فيظل يمارس الفن سنوات وسنوات ويظل يلتحق بالمعاهد والأكاديميات الفنية ليزيد من خبراته ومهاراته من خلال الدورات والبرامج المتعددة التي جعلته يقطع شوطاً كبيراً في مضمار الفن فكان بذلك أهلاً لأن ينتسب للأسرة الفنية التي أخذت على عاتقها إيصال رسالة ذات هدف ومضمون من خلال ما تقدمه من مسلسلات وأفلام وأغاني تتسم بالأصالة والجدية والطهر والعفاف الذي نكاد نفتقده كثيراً في فننا المعاصر الذي أصبح وللأسف الشديد فن أجساد وليس فن كلمة أو أداء أو لحن ’ والأدهى والأمر أن الإسفاف والإبتذال الذي يمارسه الفن وجد الدعم والتشجيع والمؤازرة من بعض الوسائل الإعلامية بمختلف قنواتها المرئية أو المسموعة أو المقرؤة التي أصبحت تبث الغث والسمين على حد سواء لترضي بعض الأذواق التي تبحث عن هذا النوع من الفن الهابط رغم أن الفن الحقيقي بريء منه .
والحديث عن الفن يدفعني للحديث عن بعض أنصاف الفنانين والذين يرون أن الفنان لا يكون فنان إلا إذا كان له نمط معين في اللباس أو السلوك فنجد الفنان مثلاً وقد ارتدى قميصاً يكشف نصف صدره هذا إلى جانب القلادة الذهبية التي يظن أنها إكسسوار لابد منه لتكتمل الأناقة
أما الفنانات فحدث ولا حرج وأخص هنا بعض المغنيات التي رأت في نفسها عدم الأهلية الكافية لكسب قلوب الجماهير وربما وجدت أن الصوت وحده غير كافي لتُحسب للفن فلجأت إلى وسائل أخرى أقلها الرقص وأعظمها كشف ما استطاعت من مواطن الفتنة والإثارة في جسدها ليتحول الخطاب الفني بعد ذلك من مخاطبة العقول والقلوب إلى مخاطبة الغرائز والله المستعان
وفي الواقع هناك صراع في وجهات النظر في الوسط الفني والثقافي بسبب موجة الفن الهابط وتدنيالذائقة الموسيقية مما نتج عنه تلوث فني سمعي ومرئيومحكي. وكلمة (الجمهور عاوزكده) ماهي إلا إدعاء باطل, فالجمهور يستهلك ما ينتج له . ولكن المشكلة هي أن شركاتالإنتاج اليوم ماهي إلا شركات ربحية وتريد أن تحصل على إرباحها بأي طريقة ولا تريدالتوقف عن الإنتاجوهمها فقط جمع الدينار والدرهم. فمما تدعيه شركات الإنتاج انهلا يوجد كتاب وهناك شح في النصوص. وبذلك فتح المجال لكل من هب ودب بأن يدخلواللمجال الفني على اختلاف أنواعه . القضية شائكة ويتحمل جزء منها المثقفون في الأمةويتحملها شركات الإنتاج ويتحمل الجمهور جزءاً آخر كما تتحمل الحكومات المحليةنصيبها بفرض شروط صارمةللنهوض بالفن بمختلف أنواعه ليكون هادفاً ويحمل رسالة. الإنسان العربي ليس سيئاً بذاته ولكن الظروف المحيطة به فرضت عليه تحديات قدلا يطيقها. فمسكين المواطن العربي بالكاد يجد الوقت ليسعى وراء لقمة عيشه فمن أينيجد الوقت ليكتب نصاً جيداً والحل الوحيد أن يكتبكيف ماشاء في أوقات الفراغ ويتبلىعلى الجمهور ويردد شعاره المعهود( الجمهور عاوز كده )
وصدق الشاعر أبو قيس الصباحي الذي تطرق لذات الموضوع عبر قصيدة له كان من بين أبياتها البيت التالي
ما حد يماثل عسل دوعن كمـا الببسـي= حتى ولو هو جميل الشكل فـي كاسـه
الفرق واضـح ولكـن فننـا المنسـي= لا بـارك الله لمـن قامـوا بإطمـاسـه
وكثيرون هم الذين تطرقوا لهذه القضية الشائكة التي تمس الفن وما آل إليه من تردي وانحطاط لذا كلنا أمل أن يعود الفن إلى سابق عهده ليحظى بذات المتابعة وذات الاهتمام الذي حظي به في عصوره الأولى و قبل كل شيء يحظى بوسام الخلود عبر الأزمان في العقول والوجدان