هذه قصة فتاة تقول: أهلي لم يربوني إلا على كلمة لا، أي شيء أفعله لا ..
وهذا أسلوب خاطيء جداً في التربية، فالأبناء بحاجة للأب الصديق
والأم الصديقة .. فبالطبع كانت تفعل ما يمنعوها منه خفية.
تقول: لم أجد عند أهلي الإرتواء النفسي والعاطفي والوجداني، لم
يحس بي أحد.
كان عمري 16 سنة، ألتف حولي مجموعة من الشباب وصاحبت هذا
وذاك. وفي مرة من المرات خرجت مع أحد أصدقائي إلى مركز
للتسوق، ركبت معه السيارة فسلك طريقًا غير الطريق الذي أعتدنا
الدخول منه، و بدأ يدخل في أماكن مظلمة .. فبدأت أصرخ وأطلب
النجدة، قال لي: "هل حضرتك الخضراء الشريفة؟ قَبِلتِ بالخروج معي فماذا تتوقعين؟" ..
فصرخت وصرخت، فلما رآني هكذا فتح باب السيارة ورماني في
مكان مهجور وخالي تمامًا من الناس .. لم أعرف أين أنا .. و إن إتصلت
بأهلي ماذا سأقول لهم ولماذا أنا هنا في هذا المكان؟ .. و بينما أنا
واقفة إذ سمعت صوت قرآن يُتلى فتوسمت الصلاح وقلت لعله
شخص يسمع القرآن في سيارته ويمكنه أن يوصلني إلى أي مكان
أتمكن بعده من العودة إلى بيتي.
وكانت المفاجأة،كانت امرأة فتسمرت في مكاني لا أعرف أأذهب إليها
أم لا .. فنادتني .. ركبت معها السيارة فلم تتكلم معي ولم أتمالك نفسي من البكاء.
فنظرت لي وقالت "أمسكي هذه الورقة" .. أعطتني ورقة بيضاء، فلم
أفهم ماذا أفعل بها.
سألتني "ماذا ترين؟"، قلت "ورقة بيضاء ! ".
فقالت "لقد رأيت الفتى وكيف رماك من السيارة وشاهدت الموقف".
فبدأت أحكي لها ما حدث، فقالت "خذي الورقة البيضاء و قومي بثنيها،
ثم أفتحيها مرة أخرى، هل عادت مثلما كانت؟ لا، تجعّدت أليس كذلك؟
رغم أنها مازالت ورقة بيضاء، لكنها مُجعّدة".
فالمعنى المراد هنا:: أننا يمكن أن نتوب .. لكن لو كنت ألبس شيئًا
متسخًا فسيحتاج إلى غسيل، وبعد الغسيل سيكون مُجعّد فسيحتاج أن يكوى.
لتعود الصفحة بيضاء وليعود قلبك صافيًا، لا تحتاج فقط إلى توبة بل
إلى توبة مُحرقة، تحتاج كيّ بالمكواة لتفتح الورقة وتُصلح قلبك، هذا
الكي هو ما سترى في البداية .. بعد أن تتوب ستكون هناك معوقات
كبيرة في أول التوبة والكثيرون سيمنعونك .. الكي هو الأعمال الفذة
المطلوب أن تعملها وتتمسك بها ليستقيم لك حالك.
تقول:عندما عدت إلى المنزل، أول شيء قمت به مسحت كل أرقام
الهاتف لفلان وعلان وعلان .. مسحتهم كلهم وعاهدت الله من هذه
اللحظة أن لا أعود لسابق عهدي .. لما ذُقت ذل المعصية.
في اليوم التالي أتصل بي الفتى "ألو حبيبتي ما الأخبار؟ أنت غاضبة
أم ماذا؟" .. فأغلقت في وجهه الهاتف وغيرت رقم هاتفي.
ومرت الأيام وبعد خمس سنوات، كنت في مستشفى فألتقيت
بالسيدة التي أعطتني الورقة فسُرت برؤيتي، وقد لبست الحجاب.
قلت لها: "أنا إلى اليوم لم أنسى الورقة وقد عاهدت الله أن لا أتجعّد
مرة أخرى .. وهذا ابني وهذا زوجي .. وأنا اليوم في الجامعة، والحمد
لله حفظت ثلاثة أجزاء من القرآن ومن يوم الورقة لم أدع فرضًا بفضل
الله عز وجل وتُبت لله سبحانه وتعالى توبة نصوحًا".
فلنكن مثل صاحبة الورقة ولا نعمل على تجعّيدها، ونُطهر القلب من
كل ما فيه من آثار الذنوب ...