نشأة المدينة
[عدل]العهد الفينيقي والروماني
نشأت طرابلس زمن الفينيقيين كمحطة تجارية وسوق لتصريف المواد الأولية من إفريقيا السوداء، واستمر دور هذه المدينة في مجال التبادل بين الشمال والجنوب، فامتد اتصالهم باتجاه الجنوب ليغطي مجموعة أقطار "إفريقيا" بلاد السودان.
قوس ماركوس اوريليوس
سبب تسميتها يعود تاريخه إلى الإغريق الذين أسموها "تريبـولي" (أي المدن الثلاث). و قد عرفت المدينة باسم "أويا" أو "أويات بيلات ماكار" (أويات بلدة الإله ملقارت)، وقد اكتشف بمدينة طرابلس العديد من القبور الفينيقية والبونيقية، كما اكتشف بها مصنع فينيقي لإنتاج الفخار.
و يعتقد أيضاً أن إجراء المزيد من الحفريات في طرابلس (ويات) سيكشف عن عمق جذور الحضارة الفينيقية الكنعانية في التاريخ الليبي. «فهذه المدينة كانت دائما مبنية ومأهولة وبالتالي لم تتح الفرص لإجراء حفريات فيها على غرار الحفريات التي أجريت في صبراتة (صبراتا) ولبدة الكبرى. ورغم هذا فإن الحضارة الفينيقية جلية في المدن الكبرى الثلاث: لبدة الكبرى وويات وصبراتة. وهذه المعالم ما زالت موجودة وظاهرة ثم انتقلت إلى أعماق ليبيا. ويرى الباحثون أن اتجاهات أبواب قوس الامبراطور الروماني ماركوس أوريليوس تمثل اتجاهات المدينة الفينيقية القديمة التي اقيمت عليها مدينة رومانية».
في العصر الروماني أقام الرومان منشآت رومانية لم يتبقى منها سوى قوس النصر في البلدة القديمة والمعروف بقوس ماركوس أوريليوس نسبة لذلك الإمبراطور الروماني، وفي ذلك العهد أيضا منحت المدينة درجة المستعمرة زمن تراجان أواخر القرن الأول م حتى عهد الإمبراطور انطونيوس بيوس في القرن الثاني م. لتصبح ضمن إقليم طرابلس.
و خضعت المدينة لحكم الوندال (القرن5 م) وللحكم البيزنطي (القرن 6م) وخلال غزوات الوندال ُدمرت أسوار لبدة وصبراتة وكان نتيجة ذلك نمو أويا وازدادت أهميتها بعد أن كانت الأقل أهمية في مدن طرابلس.
[عدل]الفتح الإسلامي
وفي عام 645م فتحها العرب المسلمون زمن خلافة عمر بن الخطاب، وبقيت المدينة تحت الحكم العربي بعد ذلك (ما عدا من 1146-1158م عندما استولى عليها النورمان الصقليون)، واحتلها الإسبان من العام 1510م وحتى أن سلموها لفرسان القديس يوحنا من مالطا العام 1531م، الذين سيطروا عليها بدورهم حتى العام 1551م، حيث استعان الطرابلسيون النازحون في المنطقة الشرقية من المدينة والمعروفة باسم تاجوراء بالعثمانيين للتخلص من الاحتلال المسيحي للمدينة المتمثل في الإسبان ومنظمة فرسان القديس يوحنا.
[عدل]الإسبان وفرسان القديس يوحنا
مع بداية القرن السادس عشر شهدت منطقة حوض البـحر المتوسط صراعـاً بحرياً بين الدول الأوربية المتمثلة في المسيحيين الإسبان وبيـن العرب المسلمين حيث اتجهت إسبانيا بقواتها لمهاجمة موانئ شمال إفريقيا واستولوا على المدن التالية :
سبتة طنجة تلمسان المرسى الكبير وهران بجاية وطرابلس سنة 1510م، وقد حاول الأهالي الطرابلسيون الدفاع عن مدينتهم باستماتة، وهذا ما ذكره الكونت "بتر ودي فارو" قائد الحملة اإلإسبانية على طرابلس، في رسالته المرسلة لنائب صقلية، إذ كتب : ".... لقد كان الطرابلسيون يقاومون مقاومة عنيفة".
نُصُب في الساحة الخضراء يبرز ارتباط تاريخ طرابلس بأهمية موقعها البحري
وكان لإسبانيا أسبابًا لاحتلالها لمدينة طرابلس، أبرزها موقعها الاستراتيجي، ميناؤها الحصين، ثرواتها المتعددة التي رأى الأسبان ضرورة الاستفادة منها في تمويل جيوشهم فـي مواصلتهم الحـرب ضـد المسلمين، وكـذلك لجعلها قاعدة حربية إسبانية لصــد الهجمات المتتالية من الشرق والمتمثلة في الخط المعاكس ألا وهو "المد العثماني" الذي ظهر كقوة بحرية كبيرة في حوض البحر الأبيض المتوسط بقيادة " خير الدين بربروس" وخليفته "درغوت باشا" الذي مثل خطراً حقيقياً على الوجود الإسباني فـي دويلات شمال إفريقيا.
ويتضح من الرسائل المتبادلة، ما بين قائد الحملة الكونت "بترو دي نقارو " وملك صقليا، ورسالة قنصل البندقية في " باليرمو " مقاومة الشعـب الليـبي وشجاعته المنقطعة النظير، أما عن سياسة الإسبان داخل القطر الطـرابلـسي، فكانت تتسـم بالوحشية والتعصـب والظلــم، فقد عملوا على طرد جميع الطرابلسيين من المدينة، وجلب أكبر عـدد من المسيحيين بدلاً عنهم، ولم يقوموا بأي إصلاح يذكر، فقد أهملوا التجارة والصناعة والزراعة وأثقلـوا كاهل المواطنين بالضرائب، مما أدى إلى كساد التجارة وبور الأسواق، وهذا الضغط أدى إلى ظهور المقاومة الوطنية التي اتخذت مـن منطقة "تاجوراء" المتاخمة للعاصمة، مركزاً لها لشن الحملات الحربية ضـد الإسبان في الدويلة الليبية، وتمكنت من محاصرة الإسبان في طرابلس، إلا أن المحاولة لم يكتب له النجاح.
ونتيجة لاشتداد وتزايد المقاومة الوطنية، وتزايد الخطر العثمانيين فـي البحر، فإن الإسبان تنازلوا عن طرابلس لمنظمة القديس يوحنا سنة 1530 ميلادي.
[عدل]العهد العثماني
ناشد الطرابلسيون الدولة العثمانية باعتبارها دولة الخلافة الإسلامية، الدخول إلى طرابلس وإخراج فرسان القديس يوحنا، وقد تمكن العثمانيون من ذلك بقيادة القائد العسكري درغوت باشا الذي تزعّم المقاومة المتكونة من الجيش العثماني وأهالي طرابلس، واتخذ من تاجوراء مقرًا للقيادة، وبعد أن تم إخراج فرسان القديس يوحنا، فإن طرابلس أصبحت رسميًا ولاية تابعة للدولة العثمانية تحت اسم "ولاية طرابلس الغرب".
وقد عرفت طرابلس سابقًا في منطقة المشرق العربي وفي فترة الحكم العثماني باسم "طرابلس الغرب" لتمييزها عن "طرابلس الشام" الواقعة شمال لبنان.
بعد أن تكونت طرابلس كمدينة، أصبحت هي نفسها في حاجة لأسواق للجملة والقـطاعي تخـدم الأهالي، لهذا ظهرت الحاجة الملحة لبناء مثل هـذه الأسواق والذي تركزت بصفة خاصة في الناحية الشرقية مـن المدينة القديمة حيث كان أسواق الجملة والتجارة والأعمال تتمركز في منطقة برقة وفي بنغازي بالتحديد لكونها عاصمة سابقة وأكبر مدن الشرق الليبي.
ويرجع أسباب تمركز هذه الأسواق في هذه الناحية من طرابلس إلى قربها من البحر، وهو المنفذ الهام لتصريف الإنتاج واستقبال البضائع القادمة من بلاد الغرب، وكذلك لتكتل المصالح الإدارية والسياسية، فهي قريبة مـن مصـدر السلطة، ألا وهـي السرايا الحمراء وذلك في عهد تبعيتها للدولة العثمانية، كـما يعود تمركزها إلى اعتبارات استراتيجية، منها أن هذا القسم من المدينة غير معرض للقنابل البحرية، حيث أن مدى المدافع البحرية في ذلك الوقت لم يكن كافياً لتوصيل القذائف إلى هذه البقعة.
وبالطبع لم تكن هذه الأسواق لخدمة أهل المدينة وحدهم بل لجميع فئات الشعب، لأنها مركز تجمع البضائع من قبل أهالي الحضر والبدو، فغالباً ما يرتاد البدو المدينة لبيع أو شـراء ما يحتاجونه ويقفلون عائدين إلى منطقتهم.
السفينة الأمريكية يو إس إس فيلادلفيا تحترق قبالة شواطئ طرابلس زمن حكم القرمانليين، إبان حربهم مع الولايات المتحدة
[عدل]القره مانلي
حكمت الأسرة القرمانلية ليبيا بعد انفصال الوالي أحمد باشا بليبيا عن الخلافة العثمانية. وبهذا الانفصال فقد انتهى العهد العثماني الأول في ليبيا، وبدأ عهد القرمانليين، وتعد فترة حكم يوسف باشا القرمانلي هي الأبرز في تلك المرحلة، حيث خاض مواجهات بحرية مع الولايات المتحدة لبسط النفوذ والسيادة في البحر الأبيض المتوسط، وبعد صراع شديد، فإن حرب القرنامليين انتهت مع الولايات المتحدة بتوقيع معاهدة سلام تلتزم فيها أمريكا بدفع ضرائب سنوية لباشا طرابلس، مقابل عدم التعرض لسفنها في البحر الأبيض المتوسط. بعد ذلك انفرط عقد العائلة القرمانلية، وعاد العثمانيون للحكم المباشر في طرابلس ليبدأ عهدهم الثاني.
'طرابلس في الحرب العالمية الثانية
كانت تضم المدينة حوالي 36 مسجد و3 حمامات تاريخية ومدرستان ومستشفى يعرف بمستشفى الغربة القديم بشارع سيدى سالم المشاط كما تضم المدينة كنيسة وسجن للمسيحيين وعدد من المبانى التاريخية منها حوش القرمانلى وعدد من القنصليات التاريخية منها القنصلية الإنجليزية الهولندية الفرنسية - الواقعة في زنقة الفرنسيس - وقنصلية جنوا، بالإضافة إلى العديد من الأسواق القديمة.
[عدل]الاستعمار الإيطالي والانتداب البريطاني
مرت على ليبيا بشكل عام وطرابلس على وجه الخصوص الكثير من الأحداث والمعارك، ثم أصبحت تحت الاحتلال الإيطالي بعد تعرض العثمانيين لهزائم في بلاد المشرق، واعتبر الإيطاليون أن ليبيا هي الشاطئ الرابع لإيطاليا، وحدثت مواجهات عنيفة بين القوات الإيطالية والمقاومة الشعبية المحلية بالتعاون مع بعض الضباط العثمانيين، ونتيجة لتلك المقاومة فإن الليبيين تمكنوا من تحقيق بعض المكاسب، ومن أهمها إعلان الجمهورية الطرابلسية، إلا أن الإيطاليين استمروا في السيطرة على المنطقة حتى هزيمتهم في الحرب العالمية الثانية، حيث بدأ الانتداب البريطاني الذي انتهى باستقلال البلاد عام 1951.
[عدل]مدينة طرابلس حالياً
صورة بانورامية لأعمال الإنشاءات العقارية التي يشهدها وسط طرابلس منذ رفع الحصار عن ليبيا
في زمن المملكة الليبية المتحدة، ونظرًا للنظام الاتحادي المتبع آنذاك، فإن طرابلس كانت تتناوب على القيام بدور العاصمة إلى جانب كبرى مدن الشرق الليبي بنغازي قبل أن يتم التخطيط لاتخاذ مدينة البيضاء كعاصمة اتحادية للدولة، وبعد قيام ثورة الفاتح، أصبحت مهام العاصمة متمركزة في طرابلس حيث مقر قيادات الدولة، والأمانات "الوزارات" المختلفة، ومقر كل السفارات، وأهم قطاعات البنية التحتية. وقد كانت هناك محاولات لجعل سرت عاصمةً للبلاد عبر تمركز اجتماعات الأمانات (الوزارات) فيها، إلا أن الأمر لم يتم، كما حاولت الدولة أيضاً نقل الأمانات إلى مدينة هون، لكن غيرت الخطة مرة أخرى، واستقرت مهام العاصمة في طرابلس.
مع ازدهار الاقتصاد الليبي نتيجة توفر البلاد على احتياطات ضخمة من الغاز والنفط، الأمر الذي مكّن الدولة من توفير مداخيل كبيرة من العملات الصعبة، فإن طرابلس شهدت حركة إعمار وبناء للبنية التحتية مع بداية السبعينيات، وأصبحت طرابلس تضم عددًا من المرافق المتميزة على الصعيد الإقليمي، أبرزها معرض طرابلس الدولي ومطار طرابلس العالمي وميناء طرابلس البحري، ومع زمن العقوبات الدولية على البلاد فترة التسعينات نتيجة قضية لوكربي، فإن الأعمال الإنشائية تراجعت، لتنطلق مجددًا بعد تسوية البلاد لمشاكلها الخارجية، واستمر وجود المشاكل الناتجة عن غياب سياسة اقتصادية مناسبة رغم توفر البلاد على موارد مالية ضخمة[3]، إلا أن هذا الأمر لم يحرم طرابلس من أن تشهد منذ عام 2005 حركة عمرانية ومشروعات إنمائية وصفتها العديد من المصادر بالواعدة[4]، ومن أبرز هذه المشاريع مطار طرابلس العالمي الجديد، الذي خطط القائمون عليه بأن يكون الأكبر في قارة أفريقيا بسعة 20 مليون مسافر سنويًا.