الدب القطبي هو نوع من أنواع الدببة يتواجد في منطقة القطب الشمالي الممتدة عبر شمالي الاسكا، كندا، روسيا، النرويج، وجرينلاند وما حولها. يعتبر الدب القطبي أكبر ثدييات اليابسة اللاحمة حاليا، ويُصنف مع دب كودياك (Ursus arctos middendorffi، أحد سلالات الدب البني) على أنهما أكبر الدببة بلا منازع.[1][2] يزن ذكر الدب القطبي البالغ ما بين 400 و 680 كيلوغرام (880–1,500 رطلا)، بينما تصل الأنثى لنصف هذا الحجم.[3] على الرغم من أن هذه الحيوانات تعتبر قريبة للدببة البنية، إلا أنها طوّرت نمطا حياتيّا أضيق بكثير من ذاك الخاص بأقاربها، حيث أصبح الكثير من خصائصها الجسدية متأقلما مع الحياة في بيئة منخفضة الحرارة، وللمشي على الثلج، الجليد، السباحة في المياه المفتوحة، وصيد الفقمات التي تشكل أغلبية حميتها.[4] على الرغم من أن معظم الدببة القطبية تولد على البر، إلا أنها تمضي معظم وقتها بالبحر، ومن هنا جاء اسمها العلمي الذي يعني "الدب البحري"، كما وتصطاد باستمرار على الجليد البحري، حيث تمضي أغلب العام.
يُصنّف الدب القطبي على أنه مهدد بالانقراض بدرجة دنيا، حيث أن 5 جمهرات من أصل 19 تعتبر في طور التراجع حاليا.[5][6] أدّى الصيد الجائر خلال عقود كثيرة من الزمن إلى ازدياد الخوف العالمي حول مستقبل هذا النوع؛ إلا أن جمهراته أظهرت تعافيا وازديادا في أعداد أفرادها بعد أن فرضت قوانين صارمة لحمايته في أكثرية البلدان التي يقطنها. كان الدب القطبي رمزا أساسيّا في الحياة الماديّة، الروحيّة، والثقافيّة لشعوب القطب الشمالي الأصليون على مدى آلاف السنين، ولا يزال صيد الدببة القطبية يعتبر من أهم المظاهر في حضاراتهم حتى اليوم.
يضع الإتحاد العالمي للحفاظ على الطبيعة ظاهرة الإحتباس الحراري في المرتبة الأولى ضمن قائمة الأسباب المؤدية لتراجع أعداد الدببة القطبية، إذ أن ذوبان مسكنها المتمثل بصفائح الجليد البحرية يجعل من الصعب عليها اصطياد ما يكفيها من الطرائد. يقول الباحثون التابعين للإتحاد "إذا استمرت درجة حرارة العالم بالارتفاع على هذا المنوال فإن الدب القطبي قد ينقرض خلال 100 سنة".[7] وفي 14 مايو 2008، وضعت وزارة الداخل الأميركية الدب القطبي ضمن قائمة الحيوانات المهددة وفق قانون الأنواع المهددة.
محتويات [أخف]
1 أصل التسمية
2 أصل النوع وتطوّره
3 انتشار النوع وجمهراته
4 المسكن
[عدل]أصل التسمية
كان المستكشف والضابط في البحرية الإنكليزية قسطنتين جون فيبس أول من وصف الدب القطبي على أنه نوع مستقل بذاته،[7] واختار له الاسم العلمي Ursus maritimus الذي يعني حرفيا "الدب البحري" باللاتينية،[8] بعد أن لاحظ أن الحيوان يقضي معظم وقته في المياه. وفي اللغة العربية فإن اسم هذه الحيوانات ترجمة حرفية لاسمها الإنكليزي "Polar bear" والفرنسي "Ours polaire" وفي بعض الأحيان تسمّى "الدب الأبيض" وهي ترجمة أخرى لاسم هذا الدب الثاني باللغة الفرنسية "Ours blanc"، وهو اسم أقل شيوعًا في اللغات الأخرى.[9] يدعو شعب الإنويت الدب القطبي نانوك،[10] ويُسمّى بلغة الشوكشي أومكا، أما في الروسية فيُسمى عادة بيلاي مدفيد، أي الدب الأبيض (بالروسية: Белый Медведь) على الرغم من أن اسم أكثر قدما لا يزال يُطلق على هذه الحيوانات وهو أوشكوي (بالروسية: Ошкуй) الذي يجد أصله في كلمة من لغة الكومي وهي أوسكي بمعنى "دب".[11] كان يعتقد في السابق أن الدب القطبي يمثل جنسا خاصا به، وهو جنس الدب البحري[12] (باللاتينية:Thalarctos)، إلا أن الدلائل التي أظهرت وجود أفراد هجينة بين هذه الحيوانات والدببة البنية، بالإضافة للدراسات التي أوضحت أن الدب القطبي إنفصل منذ فترة حديثة نسبيّا عن الدببة البنية ليشكل نوعا منفردا، جعلت من هذا الإعتقاد خاطئ، وبالتالي فإن الاسم العلمي لهذه الحيوانات يبقى Ursus maritimus كما اقترح فيبس في البداية.[13]
[عدل]أصل النوع وتطوّره
رسم يظهر الإختلافات بين وجه وقوائم الدب القطبي (A)، الدب البني(B)، والدب الأسود الأميركي(C).
يفترض العلماء أن فصيلة الدبيات إنشقت عن باقي فصائل اللواحم منذ حوالي 38 مليون سنة، ومنذ قرابة 4.2 مليون سنة برزت تحت فصيلة الدببة الحقيقية (باللاتينية: Ursinae). إنفصل الدب القطبي عن الدب البني (Ursus arctos) منذ حوالي 200,000 سنة كما يظهر من سجلات المستحثات ودراسات الحمض النووي. يبلغ عمر أقدم أحفور معروف لدب قطبي أقل من 100,000 عام، وتظهر المستحثات أنه منذ ما بين عشرة إلى عشرين ألف سنة مضت، تغيّر شكل أضراس الدببة القطبية بشكل واضح عن أضراس الدببة البنية. يُعتقد أن الدببة القطبية تحدرت من مجموعة من الدببة البنية إنعزلت عن غيرها من المجموعات خلال فترة من الفترات الجليديّة العظمى خلال العصر الحديث الأقرب.[14]
هجين دب بني ودب قطبي محنط في متحف روثتشايلد، ترينغ، إنكلترا.
أظهرت الدراسات الوراثيّة مؤخرا أن بعض الفروع الحيوية للدب البني تعتبر أقرب إلى الدب القطبي منها إلى دببة بنية أخرى،[15] مما يعني أن الدب القطبي ليس نوعا حقيقا وفقا لما يراه البعض من الشرّاح.[16] وبالإضافة لذلك، فإن الدببة القطبية قادرة على التناسل مع الدببة البنية لتنتج أفراد هجينة غير عقيمة،[14][17] مما يدل على أن النوعين إنفصلا منذ فترة قصيرة نسبيا عن بعضهما ولا يزالا متماثلان من الناحية الوراثية.[18] إلا أنه وبسبب عدم مقدرة أي من النوعين على عيش نمط حياة النوع الأخر، بالإضافة لاختلاف التشكل لكل منهما، الأيض، السلوك الإجتماعي، الحمية، وغيرها من الأنماط الظاهرية، فإن كل منهما يصنّف على أنه نوع مستقل بذاته.[18]
وفي مايو 2006 أثبتت اختبارات الحمض الريبي النووي منقوص الأوكسجين أن دبا أبيض قتل في كندا على فروته بقع بنية هو أول دب هجين من تزاوج دببة قطبية ودببة بنية في البراري ويعتقد العلماء ان الدب القتيل كان سليل أب بني وأم قطبية وتعتبر هذه الحادثة أول تزاوج موثق بين دبين قطبي وبني بريين حيث حتى تلك اللحظة لم تكن هناك وجود للدببة الهجينة من أبوين بني وقطبي إلا في حدائق الحيوان ويعود سبب ذلك إلى أنه من النادر جدا أن يلتقي هذان النوعان ولكن ارتفاع درجات الحرارة في المنطقة القطبية جعل هذا اللقاء ممكنا بسبب مغامرة الدبب القطبية بالعبور إلى مناطق الدب البني والعكس لقلة مصادر الطعام. يقترح البعض إطلاق اسم الدب البنقطبي على الهجين وآخرون اقترحوا اسم نانولاك وهو اسم يجمع بين اسمي الدب القطبي والبني عند مواطني الإنويت في كندا.[19]
صُنّفت سلالتين من الدب القطبي عندما تمّ توثيق وجوده للمرة الأولى، وهاتين السلالتين هما: السلالة البحريّة ( Ursus maritimus maritimus) التي صنفها مكتشف النوع نفسه، قسطنتين جون فيبس، عام 1774 والسلالة البحراويّة (Ursus maritimus marinus) التي صنفها عالم الحيوان الألماني بيتر سيمون بالاس عام 1776،[20] إلا أن هذا التصنيف مرفوض اليوم ولا يؤخذ به، وبالتالي فإن الدب القطبي يعتبر حاليا أنه يشكل سلالة واحدة. إلا أنه تمّ العثور على مستحثات لسلالة منقرضة من هذه الدببة أطلق عليها اسم السلالة الطاغية (Ursus maritimus tyrannus) وهي تعتبر إحدى الدببة القطبية الأوائل التي كانت قد تحدرت لتوها من الدببة البنية، قبل أن تنقرض قبل نهاية العصر الحديث الأقرب. تظهر هذه السلالة بأنها كانت أكبر من أفراد السلالة الحية اليوم.[14]
[عدل]انتشار النوع وجمهراته
الدائرة القطبية الشمالية، الموطن الكامل للدب القطبي.
يتواجد الدب القطبي عبر المحيط المتجمد الشمالي بأكمله، وكذلك في البحار المجاورة، ولا تزال هذه الحيوانات تحتفظ بالأغلبية الساحقة من موطنها أكثر من أي نوع أخر من اللواحم،[21] وذلك عائد إلى بعد موطنها ونأيه لدرجة تمنع البشر من القيام بأي نشاطات فيه. تعتبر الدببة القطبية نادرة شمالي خط العرض 88°، إلا أن هناك دليل على أنها تنتشر عبر القطب الشمالي بكامله، وصولا حتى خليج جايمس في كندا جنوبا، وفي بعض الأحيان يمكنها أن تنجرف لمسافات شاسعة على الجليد البحري المتكسر، وقد وردت بعض المشاهدات القصصيّة التي تفيد برؤية دببة قطبية في منطقة برليفاغ على البر النرويجي، وجزر الكوريل في بحر أوخوتسك. يصعب تقدير عدد الجمهرة العالمية لهذه الحيوانات بما أن معظم موطنها لم يتم دراسته بشكل واضح وكامل، إلا أن علماء الأحياء يقدرون وفقا لبعض الدراسات الأولية أن عدد الجمهرة العالمية يتراوح بين 20,000 و 25,000 دب قطبي.[5]
هناك 19 جمهرة معترف بها من الدب القطبي،[5][6] وتظهر كل واحدة منها تفضيلا موسميّا لمناطق معينة، إلا أن الدراسات التي أجريت على حمضها النووي أظهرت أنها غير معزولة كليّا عن بعضها البعض، حيث ظهر بأنها تتناسل فيما بينها.[22] يعيش في أميركا الشمالية 13 جمهرة تنتشر من بحر بيوفورت جنوبا حتى خليج هدسون، وشرقا حتى خليج بفن غربي جرينلاند، وتشكّل هذه الجمهرات ما نسبته 70% من جمهرة الدب القطبي العالمية. أما الجمهرة الأوراسية فتعدّ مقسمة ومشتتة عبر شرق جرينلاند، بحر بارنتس، بحر كارا، بحر لابتف، وبحر شوكشي، على الرغم من عدم توافر معطيات كافية حول بنية هذه الجمهرات بسبب ندرة المعلومات التي تم الحصول عليها عن طريق أسلوب "التعليم وأعادة الأسر" وهو أسلوب يتمثل بأسر الحيوانات، تعليمها بشكل معين، ومن ثم أسرها من جديد بعد مدة خلال القيام بالإحصائات، وهكذا يمكن معرفة عددها في المنطقة المحددة عن طريق تمييز كل منها بالعلامة الموضوعة له.
يشمل موطن الدب القطبي الأراضي الخاضعة لسيادة خمسة دول وهي: الدنمارك (جرينلاند)، النروج (سفالبارد)، روسيا، الولايات المتحدة (ألاسكا)، وكندا. قامت جميع هذه الدول عام 1973 بالتوقيع على اتفاقية أطلق عليها اسم الاتفاقية الدولية للحفاظ على الدببة القطبية، وهي تهدف إلى التعاون على القيام بالدراسات اللازمة وبذل الجهود الكافية للحفاظ على هذه الحيوانات عبر موطنها بأكمله.
دب قطبي مخدّر، وتبدو المروحية التي أطلق عليه سهم التخدير منها في الخلفية.
إن التقنيات الحديثة المستخدمة لتقفي أثر الدببة القطبية في البرية لم تُطبق إلا منذ أواسط ثمانينات القرن العشرين، وهي تعتبر غالية جدا كي يُصار إلى تطبيقها باستمرار على مجال شاسع من الأراضي.[23] يعتمد معظم العلماء حاليا على الطيران بمروحيّة إلى أن يعثروا على ضالتهم حيث يقومون بتخدير الحيوان ومن ثم تزويده بعلامة معينة أو بطوق إرسال، وتعتبر هذه الطريقة أكثر الطرق المؤمنة لأكثر الأحصائيات دقة.[23] أفاد بعض الإنويت في نونافوت أن الدببة القطبية أصبحت أكثر شيوعا حول المستوطنات البشرية في السنوات القليلة الماضية، مما أدّى للإعتقاد بأن جمهرتها في تلك المنطقة تزداد، إلا أن العلماء قاموا بالرد على هذا القول بأن الدببة قد يدفعها جوعها إلى التجمع حول المستوطنات البشرية بأعداد كبيرة كي تقتات على القمامة وما يتركه الناس خارج منازلهم من أسماك وأطعمة أخرى، وهذا يجعل البشر يتوهمون أن أعداد الدببة في تزايد.[23] يقول الأفراد المتخصصون في مجموعة الدب القطبي بالإتحاد العالمي للحفاظ على الطبيعة أن "تقدير أعداد الأفراد في جمهرات الدب القطبي لا يجب أن يتم بشكل منفرد، أو على أساس المعرفة التقليدية بالبيئة المحلية، دون أن يكون هناك دراسات علمية تدعمه".[24] من بين الجمهرات التسعة عشر المعترف بها للدب القطبي، فإن 5 منها تعتبر في طور التراجع، 5 حالتها مستقرة، 2 تتزايد أعدادها، و 7 لا تتوافر بشانها معطيات كافية.[5][6]
[عدل]المسكن
دب قطبي على صفيحة جليديّة تلتقي بالبحر في نونافوت، كندا.
تعتمد الدببة القطبية على الجليد البحري كمنصة لتصطاد منها الفقمات.
تعتبر الدببة القطبية ثدييات بحرية غالبا، وذلك لأنها تمضي عدّة أشهر من السنة في عرض البحر.[25] يعتبر الجليد البحري السنوي الذي يغطي المياه فوق الصفيحة القارية، وأرخبيل الجزر القطبية، المسكن المفضل لهذه الحيوانات. تعرف هذه المناطق "بحلقة الحياة القطبية" وهي أكثر غنى بالكائنات الحية بالمقارنة مع المياه العميقة لأقصى القطب الشمالي.[21][26] يميل الدب القطبي إلى زيارة المناطق التي يلتقي بها الجليد بالبحر باستمرار، مثل المجمعات المائية المؤقتة التي تنشأ إثر ذوبان الجليد، وذلك كي يصطاد الفقمات التي تشكل أغلبية حميته،[27] وبالتالي فإن هذه الحيوانات يمكن العثور عليها على محيط الصفائح الجليدية القطبية، عوضا عن الحوض القطبي بالقرب من القطب الشمالي حيث تقل كثافة الفقمات.[28]
يحوي الجليد السنوي كميات كبيرة من المياه تذوب وتتبخر ثم تعود للتجمد وفقا لتغير الفصول، وتهاجر الفقمات استجابة لهذه التغيرات، فيكون على الدببة القطبية بالتالي أن تلاحقها.[26] وفي خليجيّ هدسون وجايمس وبعض المناطق الأخرى، يذوب الجليد كليّا خلال الصيف (وهو حدث يُطلق عليه "تفكك الكتل الجليدية الطافية"، بالإنكليزية: ice-floe breakup)، مما يدفع الدببة إلى دخول البر الرئيسي والانتظار إلى أن يتجمد البحر من جديد.[26] وفي بحار شوكوشي وبيوفورت، تتجه الدببة القطبية شمالا كل صيف نحو الصفائح الجليدية التي تبقى على حالها طيلة أيام السنة.