الصفحةُ البيضاءُ، إذ تقرؤها.. تُثير جنونك، تُلهبُ قلبَك و تستبيح أرضَ صمتك.
الصفحة البيضاء، إذ تقرؤها..
تشغل عقلَك بالأسئلة.
وتجتذبُ أفكارك. فتزدحمُ يُنسيك بعضها بعضًا. أو تتتابع كسلسلة.
أو لربّما اختصمت فأخرجت من رحم خصامها فكرةً ثالثةً أو رابعةً…أو عاشرة!
الصفحة البيضاء، إذ تقرؤها..
تسألُك : أتكتبُ؟؟!
وإن تكتب، فعمّ تكتب؟
عن ذكرياتٍ تراكمت..تحنّ إليها، وتئنّ منها. ووحدك من يرى صورتها ويسمع صدى صوتها في حاضرك.
أم عن حاضرٍ مثقلٍ بهمّه وغُمّته. تتلمّس الصواب فيه بحذرٍ. يُثقلك بواقعه، وتُثقله بالأسئلة.
أم عن قادمٍ تشتهيه على صورة أحلامك التي تشاء..وسيأتيك بمشيئة الله على صورته.
أتكتبُ..؟
وإن تكتب؛ فبأيّ الأفكار تبدأ؟ وبأيّها تنتهي؟
أيّ الأفكار ستقبل سجن الكلمات، وتنتظرُ قارئًا يُطلقها؟
وإنْ لا تكتب! فبأيّ غُصّة تعودُ؟! مؤرقًا ومُثقلًا بفكرةٍ قد كبرت، وضاقت بالصمت..
الصفحة البيضاء، إذ تقرؤها..
تسألك: أتكتبُ؟
وإن تكتب..فماذا تكتبُ؟
قصّةً أنت بطلها، وتحتار بأسماء شخوصها.
أم بَوْحًا تُسمّيه "نصًّا". يكتبُكَ إذ تكتُبُه.
أم
ستكتبُ مقالًا "فكريًا" تنحتُ كلماتِه نحتًا، وتصوغ أسئلته. وتمضي في
البحث عن إجاباتها. وتعلمُ جيدًا أنّك إنّما تفتحُ بابًا ولا توصده.
هي الكلمات، نكتبُها وتكتبُ ذاتها. سيدةً للنصّ، أميرةً للبيان، بحرًا للمعنى، وأصغرَ من الفكرة..
وإنْ تكتب، فلمن تكتب؟
لأجل قارئٍ تُحبّه ويقرؤك، وتتمنى سماعَ صوته وتحسّس قلبه إذ يقرأ نبضك.
أم لأجل قارئٍ غاب عنه المعنى، فجئتَ تطرق بابه، لعلّه يقرؤك.
أو لأجل قارئٍ سيلقاك يومًا حبرًا على ورق..فتكونُ في قصّته، وقد غاب عن قصّتِك.
أم لأجل صغارٍ سيكبرون على مهلٍ، ولا تدري أتلقاهم كبارًا، فرُحت تخبئ لهم بين الكلمات كنزك.
الكتابةُ، تمردٌّ على المدى، فلا الزمان ولا المكان يحدّها.
الكتابةُ، رغبةٌ خفيةٌ في الكلام، واستسلامٌ لغوايةِ الكلمات في حضرة الفكرة.
الصفحة البيضاء، إذ تقرؤها، وتشغلك.
فتأخذها بين يديك تمحو بياضها بسواد قلمك.