وأول هذه الأركان
وأعظمها كلمة التوحيد بطرفيها: " لا إله إلا الله ، محمد رسول الله " ، فهي
المفتاح الذي يدخل به العبد إلى رياض الدين ، ويكون به مستحقاً لجنات
النعيم ، أما الطرف الأول منها " لا إله إلا الله " فمعناه أن تشهد بلسانك
مقرا بجنانك بأنه لا يستحق أحد العبادة إلا الله تبارك وتعالى ، فلا نعبد
إلا الله ، ولا نرجو غيره ، ولا نتوكل إلا عليه ، فإذا آمن العبد بهذه
الكلمة ملتزمًا بما تقتضيه من العمل الصالح، ثبته الله وقت الموت، وسدد
لسانه حتى تكون آخر ما يودع به الدنيا، و ( من كان آخر كلامه لا إله إلا الله وجبت له الجنة ) .
أما شهادة أن محمداً رسول الله ، فتعني أن تؤمن بأنه مبعوث رحمة للعالمين ، بشيراً ونذيراً إلى الخلق كافة ، كما يقول الله سبحانه : {
قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض
لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله
وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون } ( الأعراف : 58 ) ، ومن مقتضى هذه
الشهادة أن تؤمن بأن شريعته ناسخة لما سبقها من الأديان ؛ ولذلك أقسم النبي
صلى الله عليه وسلم فقال : ( والذي نفس محمد بيده ،
لا يسمع بي أحد من هذه الأمة ، يهودي ولا نصراني ، ثم يموت ولم يؤمن بالذي
أرسلت به ، إلا كان من أصحاب النار ) رواه مسلم ،
ومن مقتضاها أن تؤمن وتعتقد أن كل من لم يصدّق بالنبي صلى الله عليه وسلم
ولم يتّبع دينه ، فإنه خاسر في الدنيا والآخرة ، ولا يقبل الله منه صرفا
ولا عدلا ، سواء أكان متبعا لديانة منسوخة أو محرفة أخرى ، أم كان غير
متدين بدين ، فلا نجاة في الآخرة إلا بدين الإسلام ، واتباع خير الأنام
عليه الصلاة والسلام .
ومن الملاحظ هنا
أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الشهادتين ركنا واحد ؛ وفي ذلك إشارة منه
إلى أن العبادة لا تتم إلا بأمرين ، هما : الإخلاص لله : وهو ما تضمنته
شهادة أن لا إله إلا الله ، والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو
مقتضى الشهادة بأنه رسول الله .
الركن الثاني :
إقامة الصلاة المفروضة على العبد ، فالصلاة صلة بين العبد وربه ، ومناجاة
لخالقه سبحانه ، وهي الزاد الروحي الذي يطفيء لظى النفوس المتعطشة إلى نور
الله ، فتنير القلب ، وتشرح الصدر .
وللصلاة مكانة
عظيمة في ديننا ؛ إذ هي الركن الثاني من أركان الإسلام ، وأول ما يحاسب عنه
العبد يوم القيامة ، وقد فرضها الله على نبيه صلى الله عليه وسلم في أعلى
مكان وصل إليه بشر ، وفي أشرف الليالي ، ففي ليلة الإسراء في السماء
السابعة ، جاء الأمر الإلهي بوجوبها ، فكانت واجبة على المسلم في كل حالاته
، في السلم والحرب ، والصحة والمرض ، ولا تسقط عنه أبداً إلا بزوال العقل .
وكذلك فإنها العلامة الفارقة بين المسلم والكافر ، يدل على ذلك ما جاء في حديث جابر رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ) رواه مسلم .
وثالث هذه الأركان
: إيتاء الزكاة ، وهي عبادة مالية فرضها الله سبحانه وتعالى على عباده ،
طهرة لنفوسهم من البخل ، ولصحائفهم من الخطايا ، كيف لا ؟ وقد قال الله
سبحانه وتعالى في كتابه الكريم : { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } ( التوبة : 103 ) ، كما أن فيها إحسانا إلى الخلق ، وتأليفا بين قلوبهم ، وسدا لحاجتهم ، وإعفافا للناس عن ذل السؤال .
وفي المقابل : إذا منع الناس زكاة أموالهم كان ذلك سببا لمحق البركة من الأرض ، مصداقاً لحديث بريدة رضي الله عنه : ( ما منع قوم الزكاة إلا حبس الله عنهم القطر ) رواه الحاكم و البيهقي ، وقد توعد الله سبحانه وتعالى مانعي الزكاة بالعذاب الشديد في الآخرة ، فقال تعالى : { ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة } ( آل عمران : 180 ) ، وقد جاء في صحيح مسلم في شرح قوله تعالى : { والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم } ( التوبة : 34 ) ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (
ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها ، إلا إذا كان يوم القيامة ،
صفحت له صفائح من نار ، فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه
وظهره ، كلما بردت أعيدت له ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، حتى يقضى
بين العباد ، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ) ، فكان عقابه من الله بماله الذي بخل به على العباد .
الركن الرابع :
صيام رمضان ، وهو موسم عظيم ، يصقل فيه المسلم إيمانه ، ويجدد فيه عهده مع
الله ، وهو زاد إيماني قوي يشحذ همته ليواصل السير في درب الطاعة بعد رمضان
، ولصيام رمضان فضائل عدّة ، فقد تكفل الله سبحانه وتعالى لمن صامه إيمانا
واحتسابا بغفران ما مضى من ذنوبه ، ، وحسبُك من فضله أن أجر صائمه غير
محسوب بعدد .
أما خامس هذه الأركان : فهو الحج إلى بيت الله الحرام ، ، وقد فرض في السنة التاسعة للهجرة ، يقول الله تعالى : { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } (
آل عمران : 97 ) ، وقد فرضه الله تعالى تزكية للنفوس ، وتربية لها على
معاني العبودية والطاعة، فضلاً على أنه فرصة عظيمة لتكفير الذنوب ، فقد جاء
في الحديث : ( من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق ، رجع كيوم ولدته أمه ) رواه البخاري و مسلم .
وعلى هذه الأركان
الخمسة ، قام صرح الإسلام العظيم ، نسأل الله سبحانه أن يوفقنا لكل ما فيه
رضاه ، وأن يصلح أحوالنا ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .