أولا: منهجه في تراجم الأبواب ومسالكها:
كان الغالب على تراجم أبواب السنن (التراجم الظاهرة)، وقلّما تجد فيها تراجم استنباطية أو مرسلة، ولكن الإمام الترمذي نوّع بين المسالك التي استخدمها في تلك التراجم، وينتظم إيضاح ذلك فيما يلي:
1- التراجم الظاهرة: هي التي يدل عنوان الباب فيها على مضمونه من الأحاديث دلالة واضحة، لا يحتاج القارئ فيها إلى إعمال فكره لمعرفة وجه الاستدلال، ومن المسالك التي استخدمها في هذا النوع من التراجم:
- الاستفهام، مثل: "بابٌ هل تنقض المرأة شعرها عند الغسل؟".
- الصيغة الخبرية العامة، مثل: "باب ما جاء في السواك".
- الصيغة الخبرية الخاصة، مثل: "باب ما جاء في أن مسح الرأس مرة".
- الاقتباس من لفظ الحديث، مثل: "باب لا تُقبل صلاة بغير طُهور".
2- التراجم الخفية (الاستنباطية): هي أن يأتي في لفظ الترجمة احتمالٌ لأكثر من معنى، فيعيّن أحد الاحتمالين بما يذكر تحتها من الحديث، أو أن يكون الاحتمال في الحديث والتعيين في الترجمة، ، ومن المسالك التي استخدمها في هذا النوع من التراجم:
- كون الترجمة أعمُّ من الـمُترجم له، مثل قوله: "باب ما جاء في الوضوء من القيء والرعاف"، ثم أخرج حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر فتوضأ.. الحديث، فالترجمة هنا أعمّ، لأن فيها ذِكر القيء والرعاف، وليس في الحديث إلا ذكر القيء.
- كون الترجمة أخصّ من المترجم له، مثل قوله: "باب ما جاء في السهو عن وقت صلاة العصر"، ثم أخرج حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا: (الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وُتِرَ أهلَه ومالَه)، فالترجمة هنا أخصّ، لأن فيها ذكر السهو فقط، والحديث فيه ذكر الفوت، وهو أعم من الفَوت بالسهو فقط.
- تطابق الترجمة مع أحاديث الباب بطريق الاستنتاج لعلاقة اللزوم، مثل قوله: "باب ما جاء متى يؤمر الصبيّ بالصلاة"، ثم أخرج حديث سبرة بن معبد الجهني رضي الله عنه مرفوعا: (علموا الصبي الصلاة ابن سبع سنين، واضربوه عليها ابن عشر)، ويلزم من هذا الحديث أن يكون أمر الصبي بالصلاة بين السابعة والعاشرة، أي بعد تعليمه وقبل ضربه إذا لم يمتثل الأمر.
3- التراجم المرسلة: لم يُكثر الإمام الترمذي منها، وأوردها مرات قليلة، مثل قوله: "باب منه آخر. حدثنا هناد، حدثنا عبدة عن محمد بن إسحاق.. " الحديث.
ثانيا: منهجه في ذكر الفوائد ومختلف الحديث:
اعتنى الإمام الترمذي بالألفاظ الغريبة، واهتم ببيانها وإيضاحها، وذكر بعض الفوائد واللطائف بعد إيراد الأحاديث، ومن ذلك:
1- غريب الحديث: شرح الإمام الترمذي كثيرا من الألفاظ الغريبة واعتنى بإيضاحها، ومن ذلك قوله: "ومعنى قوله فانـخَـــنستُ يعني تنحّيت عنه".
2- ذكر الناسخ والمنسوخ: كان الإمام الترمذي يصرِّح أحيانا بأن الحديث منسوخ، أو بأنه الآخر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يكتفي أحيانا أخرى بتأخير الناسخ.
3- ذكر مختلف الحديث: كان الإمام الترمذي يبين مختلف الحديث، ويحلُّ بعض ما أُشكل منه، ومن ذلك كلامه عن ليلة القدر: "وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر أنها ليلة إحدى وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين، وخمس وعشرين، وسبع وعشرين، وتسع وعشرين، وآخر ليلة من رمضان"، ثم قال: "قال الشافعي: كأن هذا عندي - والله أعلم - أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُجيب على نحو ما يُسأل عنه. يقال له: نلتمسها في ليلة كذا، فيقول: التمسوها في ليلة كذا".