امس
بعت الكلب الباقى من العائلة ..حاولت أن أبدو أصيلا أمامه فأجريت دمعة أو
إثنتين على خدى فى صمت ..فى الحقيقة ..هو ايضا كان حزينا ..بدا حزنه نبيلا
مثله وظل صامتا طول الوقت .
كنت قد شرحت له الأمر بالتفصيل قبل أن
نخرج الى الطريق ..اجلسته على مقعد مقابل فى الردهة وتحدثت اليه ..لم يأخذ
الامر وقتا اذ وجدت لديه استعدادا طيبا لتفهم الامر ..ضممته الى صدرى فى
رفق ومضيت الى الطريق ..وصلت السوق ..وقفت صامتا اتذكر كلمات ( كريمه )
خطيبتى الحالية وزوجة المستقبل ..لا أعرف لماذا اهتم بعباراتها ..ارددها
واحفظها وأنفذ ماتريد....أعيش عبر الحروف ..واستلهم من العبارات حياة
أعيشها وأتنسم ريحها بلهفة لامثيل لها ..وقفت إذن أتذكر كلماتها وهى تقول :
-
- أريد بيتا خاليا من الأغراب
ولأننى أحبها وأتوق الى
الزفاف سريعا ليس لغرض سوى أن أكون بجوارها كل - وليس بعض - الوقت فقد
تحمست للأمر ..انتحيت بكلبى جانبا ..اعدت عليه ماقالت ، واضفت : -
- إياك أن تظننى أطيعها وأفعل المستحيل لأرضيها من أجل جاه أبيها ،أو مركزه ،أو أننى أعمى لا أرى دمامتها ..كلا .
- واقسمت له تأكيدا على ما أقول..حرك ذيله ..ادركت أنه اقتنع ..اكملت : -
- أننى أريد زواجا سعيدا ..هل تفهم ما أعنى ؟
-
حدق فى وجهى ونبح مرة أو اثنتين ..قالت عيناه أنه يقدر ما أقول ولايجد فى
صدره شيئا من ناحيتى ..تبسمت له وحملته بين يدّى وانا اؤكد انه ليس غريبا
عنى ، فأبوه كان يحرس البيت قبله ومات فى حادثة مشهورة ،كتبت عنها الصحف فى
حينها ،فقد أصّر على مطاردة لص اطلق عليه النار ليكف عنه ،ولم يكف ولم
يتركه الا حينما رأى رجال الشرطة ،لحظتها تركه لهم واتخذ ركنا مات فيه بهدؤ
ودون ضوضاء ،بعدها ونتيجة للذكرى الاليمة المرتبطة بالمكان لم تتحمل
الكلبة الام المعيشة معنا وهجرت البيت ،وبقى هو موظفا امينا قليل الطلبات
..يأخذ مايصل اليه بصدر رحب ..لايطلب المزيد ولايفكر مجرد تفكير فيه ،ومتى
رآنى يهب واقفا فى احترام نبيل وهو يهتف بلغته هتافات مدوية تخجلنى فأنظر
اليه فى عطف وارفع يدى نصف رفعة وابتسم نصف ابتسامة واسأله عن حاله وهل هو
سعيد فى مكان عمله ام لا ،وهل يأتيه طعامه فى موعده ام لا ،واتركه شاعرا
اننى فعلت مابوسعى تجاهه . لكننى امام الظرف الجديد كان لابد ان اضحى
.فأخذته رغما عن ايجابية مشاعرى نحوه ومضيت الى السوق .. حملته ووقفت جانبا
..غارقا فى بحيرة صمت راكدة راسما ملامح اسى ،كلما ادار وجهه ناحيتى يراها
فيطلق عقيرته بالنباح تضامنا معى ..اقترب رجل بدا من ملامحه انه يريد
الشراء ..مد نظراته اولا ..ازداد وجهى تغضنا ..مد يده ..لم اتحرك ..سأل ان
كنت اريد بيعه ..همست مبديا مزيدا من الاسى انه اصيل ،من النوع النادر
ولولا الظروف مااضطررت لبيعه ..سأل : -بكم تبيعه ؟
سألت : - بكم تشتريه ؟
قال
الثمن ..وافقت فوراً دون نقاش ومددت يدى اليه ..حمله ونسى أن يعطينى
النقود ..انا ايضا تشاغلت عنه بفرحة العودة الى كريمه ملبيا طلبها .. كان
الوقت ظهرا ..جلست على طرف المائدة اتناول ماوضعوه امامى من طعام ..هبت
تاركة مكانها..لم انتبه لهذا الا حينما سمعتها تنطق إسمى مشفوعا بالفاظ لا
اعتقد أنها تقصدها مثل (الدناءه – الجرثومه –وما اليها ) وتطلب منى مغادرة
المائدة فوراً و المثول بين يديها..تمنيت أن اطلب منها الانتظار لحين شعورى
بالشبع ..لم استطع ..رأيتنى اهرول نحوها ..اطأطىء رأسى هامسا : - نعم
سألتنى : -ماذا فعلت ؟
قلت بفرحة :- لن يوجد بيننا أغراب بعد الآن ..لقد بعت الكلب .
وانتظرت أن تفرح مثلى ..غير أننى فوجئت بعينيها تضيقان وتحدق فى وجهى : -
- لم اقصد الكلب ..انا اقصد أباك
- اتسعت عينّى
-
ودق قلبى فى عنف ..جال بخاطرى لحظتها إننى نسيت أن آخذ ثمن بيع الكلب
..نحيت هذا الخاطر جانبا واتجهت بعينى الى وجهها.. البثور المنثورة فيه
متوترة ..النقاط السوداء منفعلة ، والأسنان بفكها العلوى النافر توشك على
عقرى ..ابتعدت ..سألتنى ..فيم تفكر ؟.. سريعا قلت :- فى كيفية بيع أبى !!