لم يقو على الوقوف منتصبا كرجل مهذب يودع امرأة , خانته قدماه , خانته
الدنيا, كانت كلماتها مقتضبة عملية جادة مفادها أنها لن تستطيع إكمال
الارتباط به فهو لم يفعل شيئا يذكر في حياته العملية و لم يخط خطوة للأمام.
مر بذهنه سريعا لحظات من السعادة و الإحباط و العتاب و الشوق و الخصام و
الصلح ضمتها أسوار الكلية و لحظات أكثر بعد التخرج شهدتها المدينة خارج
الأسوار و الحدود , لقد كان يراهن على حبه و لم يكن يدري وقتها أنه يراهن
على الجواد الخاسر , أخيرا عثر جواده و سقط و لم يبق سوى ............ سوى
رصاصة الرحمة و لكن من أين تأتيه . لم يفعل شيئا ؟ أم ماذا كان يفعل؟ كل شئ
مزدحم , صراع على أشده لم يبق له مكانا فهو يكره الزحام و لا يستطيع
الدفع, لا يجرؤ, بل لا يريد ,بل لم يتعلم , ما ذنبه ؟ ما ذنبها؟ هكذا فلسف
الخاسر قضيته و لم يحنق و لم يندم بل سامحها في استسلام و جر قدميه قدما
لبيته , تمدد على سريره يستحضر أشعارا قالها فيها و قصصا كانت بطلتها ,
كانت تعجب بها كثيرا , كانت تطير فرحا كلما أطلعها على قصيدة أو قصة , كانت
تعده أنها له للأبد , و في جرأة الشباب و تحدي العاشقين كانت تتحدى أن
يفرق بينهما الموت بل سيظلا حبيبان حتى بعد الموت , كيف تنتهي قصة حب كتلك
نهاية صماء غبية كتلك ؟ أهي هي أم أصبحت ليست هي أم كانت ليست هي منذ
البداية؟ ماذا بعد ؟ أخذ يتساءل في انكسار و هل يستسلم و يترك حبه بتلك
السهولة ؟ أخذ يعد الأيام أيام القصة فكانت ألفي يوم , لماذا لا يكتب لها
كل يوم رسالة حب فهي تعيش في داخله ,في وجدانه , إنها موجودة , حية تضحك و
ترقص و تمزح و تسخر و تقول كلاما كثيرا , إنها تتحدث عن أحلام لم تتحقق و
آمال لم تقترب , إنها هي بكل ما هي, فليكتب لها كل يوم رسالة إذا , فليكتب و
لا يتوقف. الآن بلغت الألف رسالة حب , فلينشرها إذا , كتبها في ألف يوم و
استغرق نشرها ألفين و الناس عطشى لقصة حب حقيقية تعيدهم لعالم مفقود , قصة
يتنسمون فيها نسمة مختلفة و طعما مختلفا . نفذت الطبعة الأولى بسرعة قياسية
و طبعة ثانية و ثالثة ثم رابعة و خامسة, اتصلت به تخبره أنها كانت تنتظره و
تنتظر منه خطوة تعيده إليها و طلبت منه أن يلتقيا في نفس المكان القديم
,سألته إن كان قد أخذه الحنين إلى مكانهما أثناء الفراق , لم يرد و اكتفى
بصمت طويل, أغلق الخط و ارتدى ملابسه , تأنق و أثناء ربطه رابطة عنقه أخذه
وجهه في المرآة , أخذ يتفرسه جيدا, مد أصابعه يلمس تحت عينيه و خديه و
جوانب فمه و أنفه, نزع رابطة عنقه, خلع ملابسه و جلس يكتب الرسالة الواحدة
بعد الألف.