س 12: إذا كانت الأدبيات التراثية تمثل كما هو الأرجح المصدر الرئيس في بناء رؤية "السلفيين" للعالم وهي أدبيات تنتمي في مجملها إلى لحظة تاريخية مضت كان العالم ينقسم فيها إلى (دار كفر) و (دار إسلام) وتتحدد فيها العقليات على أساس الحرب (دار الكفر) والسلام ( دار الإسلام ) ...
ولم يكن العالم قد عرف الدولة القومية الوطنية التي تقوم على مبدأ المواطنة التي يشترك فيها المسلم وغيره .
ألا يمكن النظر إلى أن إعادة إنتاج "التيار السلفي" للمقولات التراثية في هذا الموضوع، هو المسئول عن سوء فهم العالم وعن حالة التوتر معه ؟
الجواب:
" السلفيون " لم يأتوا بشيء من جعبتهم، ما يسميه الكاتب "أدبيات تراثية" هي أحكام شرعية يجب اتباعها والعمل بها ..
والتقسيم الفقهي للديار إلى "دار إسلام" و "دار كفر" ليس على أساس الحرب والسلم وإنما على أساس " الدين " .
ولو كان التقسيم على أساس الحرب لكانت القسمة ثلاثية؛ فقسمت الديار إلى ثلاث أقسام رئيسة:
دار إسلام، ودار حرب، ودار عهد ! ولكن أهل العلم جعلوها ثنائية؛ فقسموا الديار إلى دارين فقط: " دار إسلام" و "دار كفر" وما عدي ذلك من التسميات فهي داخلة في إحدى القسمين كما يلي: قال الشيخ عبد القادر عبد العزيز في "الجامع": الأقسام الفرعية لدار الكفر: تنقسم دار الكفر إلى عدة أقسام بأكثر من اعتبار، والاسم الجامع لها هو دار الكفر، أو دار الشرك . وأقسامها هي: 1 ـ من جهة كون الكفر فيها قديما أو طارئا تنقسم إلى: ا ـ دار الكفر الأصلي: وهي التي لم تكن دار إسلام في وقت من الأوقات، مثل اليابان وشرق الصين . ب ـ دار الكفر الطارئ: وهي التي كانت دار إسلام في وقت من الأوقات ثم استولى عليها الكفار الأصليون مثل الأندلس ( إسبانيا والبرتغال ) وفلسطين، ودول شرق أوروبا، التي كانت تحت حكم الدولة العثمانية، مثل رومانيا وبلغاريا ويوغسلافيا واليونان وألبانيا . ج ـ دار الردة: وهي فرع من دار الكفر الطارئ، وهي التي كانت دار إسلام في وقت ما ثم تغلب عليها المرتدون وأجروا فيها أحكام الكفار . 2 ـ ومن جهة علاقتها بدار الإسلام تنقسم دار الكفر إلى: ا ـ دار الحرب: وهي التي ليس بينها وبين دار الإسلام صلح أو هدنة، ولا يشترط قيام الحرب فعليا لصحة هذه التسمية، بل يكفي عدم وجود صلح . ب ـ دار العهد: وهي التي بينها وبين دار الإسلام موادعة وصلح وهدنة، كما كانت مكة فيما بين صلح الحديبية وفتح مكة ( 6- 8 هـ ) 3 ـ ومن جهة أمن المسلم على نفسه فيها تنقسم دار الكفر إلى: ا ـ دار الأمن: وهي التي يأمن المسلم فيها على نفسه مثل الحبشة في صدر الإسلام لما هاجر إليها الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ فرارا من بطش كفار مكة . ب ـ دار الفتنة: وهي التي لا يأمن المسلم فيها على نفسه مثل مكة في صدر الإسلام . الأقسام الفرعية لدار الإسلام: ترد أحيانا مصطلحات خاصة بأقسام فرعية لدار الإسلام في كتب أهل العلم، مثل: 1 ـ دار البغي: وهي ما إذا انفرد البغاة أو الخوارج ببلد في دار الإسلام، واستقلوا بإجراء الأحكام فيها، ويقابلها دار العدل وهي التي تحت حكم إمام المسلمين . 2 ـ دار الفسق: وهي ما إذا شاع الفسق ببلد في دار الإسلام . 3 ـ دار أهل الذمة: وهي غير دار العهد والصلح، فهذه من أقسام دار الكفر، أما دار أهل الذمة فهي دار إسلام، كما كانت خيبر بعدما فتحها المسلمون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. انتهي من "الجامع في طلب العلم الشريف". فالزعم بأن تقسيم الديار في الفقه الإسلامي مبني على أساس الحرب زعم باطل .. وهو قول من ينظر إلى الإسلام بعين " برناند الويس " صاحب هذه المقولة . وقيام الدول المعاصرة على أساس المواطنة بغض النظر عن الدين لا يقره الإسلام، بل يرفضه، ولا ينبغي الاستدلال به في هذا السياق . وكون دار الإسلام انقسمت إلى دويلات صغيرة، فلا أثر لذلك على الحكم الشرعي لأن انقسام الدار أو اتحادها وصف غير مؤثر " أصوليا " فدار الإسلام هي كل دار يحكمها الإسلام ودار الكفر هي كل دار يحكمها الكفر بغض النظر عن اتحادها، أو انقسامها؛ فالتوصيف الفقهي المذكور يستوعب الوضعية الراهنة . و " التيار السلفي " لا يسيء فهم العالم، بل يفهمه تماما؛ ولكن على ضوء المفاهيم الصحيحة، والتقيد بهذه المفاهيم هو الذي يضمن له التعامل مع العالم تعاملا شرعيا . وأما الزعم بأن هذه المفاهيم هي المسئولة عن حالة التوتر مع الغرب، فقد يكون له حظ من النظر؛ لو أن المسلمين هم الذين بدءوا الصراع مع الغرب، وقد يكون له حظ من النظر؛ لو أن المسلمين يتحدثون عن جهاد النشر .. أما الآن والمسلمون هم المعتدى عليهم من طرف الغرب، ولا يتحدثون إلا عن جهاد الدفع فكيف يستساغ الزعم بأنهم مصدر التوتر ؟ بل .. ألم يخاطب سيف الإسلام أسامة بن لادن ـ حفظه الله ورعاه ـ العالم الغربي خطابا واضحا حاصله: " إن كففتم عنا كففنا عنكم " ألم يتقدم لهم بهدنة طويلة الأمد وهم الذين رفضوها ؟ ***
س 13: هل جرت مراجعات لهذا التراث ؟ وهل ثمة احتمال لهذه المراجعات ؟ الجواب: التراث الذي ينطلق منه " السلفيون " ليس مسائل فكرية، وإنما أمورا نصية فرض الإسلام عليهم الإيمان بها، والتسليم لها، والواجب عليهم وعلى غيرهم من المسلمين مراجعة الواقع ليكون منسجما مع هذه النصوص، لا مراجعة النصوص لكي تكون منسجمة مع الواقع . والانقياد لهذه النصوص، والتسليم لها، أمر متعبد به لله تعالى، ووجوب هذا التعبد مستمر في كل وقت، سواء انسجم الواقع مع النص، أو خالفه.بل إن عدم انسجام الواقع مع النص ابتلاء من الله لعباده أيتمسكون بهذا النص المتعبد به أم يخضعون للواقع الثقيل، ويتحرجون من النص ؟ قال تعالى: { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } . ***
س 14: ما موقف " السلفيين " إزاء غيرهم من الفاعلين الآخرين من المشهد الإسلامي ؟ الجواب: يرى " السلفيون " أن الخلاف مع التيارات الأخرى؛ ليس على أساس حزبي، وإنما على أساس منهجي، وهم في هذا السياق يرون ضرورة تطبيق قوله تعالى: { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا } النساء ( 59 ) ولا يفتؤون يدعون التيارات الأخرى إلى التحاكم معهم إلى المبادئ والأسس التي يتفق عليها الجميع، ألا وهي الكتاب والسنة والإجماع، إلا أنهم ما زالوا يلاقون من هذه الجماعات إعراضا كليا أو جزئيا في بعض الأحيان . ويعتقدون أن سبب الخلاف والتفاوت في وجهات النظر، راجع إلى هذا الإعراض، فهناك بعض الجماعات التي رسمت لنفسها خطوطا عريضة وأنتجت مسلمات جديدة ترفض التحاكم إلى غيرها . وبالنسبة إلى جماعة " الإخوان " فإنها سلكت منهجية تغلب ضغط الواقع على قطعية النص، وآراء المفكرين على مسلمات الشرع، ومتطلبات الظرف على مقصد التعبد، فأنشأت بذلك منهجا جديدا للتعامل مع النص، مغايرا للمنهج المعروف عند علماء الأصول، تحت غطاء التيسير، وفقه الواقع، وفقه الأولويات، والمصلحة، ومراعاة المقاصد . وهذا التطوير في منهج التعامل مع " النص "، هو المسئول عن اتساع رقعة الخلاف، فمع كل حدث جديد تبرز وجهات نظر جديدة، مستقاة من هذا المنهج الجديد، يقابلها وجهات نظر ملتزمة بالمنهج القديم، ومع مرور الأيام تزداد الهوة اتساعا . ***
س 15: هل يؤمنون بإمكانية تعددية منهج الدعوة وتياراتها التماسا لوحدة العاملين في وحدة الصف الإسلامي ؟ أم أن التوحيد مقدم على الوحدة كما يبرر البعض توجهه لنقد التيارات الإسلامية المخالفة لهم بدعوى خروجها على ما يناقض التوحيد ؟ . الجواب: يؤمن " السلفيون " بالتعددية بالمعني التخصصي، أي تقاسم الأدوار، واتجاه كل تيار إلى جانب من جوانب فروض الكفاية، دون تناقضه مع جانب آخر، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى: { فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون } . ويؤمنون بالتعدد في فهم النص إذا كان هذا الفهم على طرائق الاستدلال المشروعة . أما التعدد في المنهج " منهج التعامل مع النص " فهو نوع من التفرق المذموم، المندرج تحت قوله تعالى: { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء } . نعم .. التوحيد مقدم على الوحدة ... مسلمة لا بد من التأكيد عليها، وإذا انعدم التوحيد فما قيمة الوحدة ؟ ألسنا نسعى إلى الوحدة من أجل التوحيد ؟ وحين نسعى لتحقيق الوحدة على حساب التوحيد فسوف نكون متبعين لمقولة: سلام على كفر يوحد بيننا ** وأهلا وسهلا بعده بجهنم
ثم ما هي الوحدة التي يقف " السلفيون " حجر عثرة أمامها ؟ هل يعتبر مجرد نقد التيارات الأخرى رفضا للوحدة ؟ هل يريد الكاتب من " السلفيين " أن يتنازلوا عن التوحيد والأسس والمبادئ العقدية من أجل التوحد مع التيارات الأخرى ؟ وما هي الخطوات التي تقدمت بها التيارات الأخرى من أجل هذه الوحدة ؟ وهل بإمكانهم التنازل عن الأسس المنهجية فقط - دون الأسس الدينية -من أجل هذه الوحدة ؟ هل بإمكان الإخوان - مثلا - التنازل عن المشروع الديمقراطي لكي يتحدوا " مع السلفية " وغيرها ؟ هل بإمكان " جماعة التبليغ " أن يتخندقوا مع " القاعدة " وينخرطوا في صفوف المجاهدين من أجل توحيد الصفوف ؟ ولماذا يعتبر " السلفيون " وحدهم هم السبب في التباين بين التيارات ؟ ولماذا ينتظر منهم وحدهم التنازل عن أسسهم العقدية من أجل الوحدة، ولا ينتظر من الآخرين التنازل عن أسس ليست عقدية وإنما منهجية ؟ ثم أين موقع الكاتب من هذه الوحدة ؟ ألا تعتبر كتابته تكريسا لهذه الخلافات وتضخيما لها ؟ أليس من الواضح أن حديثه عن " الظاهرة الإسلامية " يركز على عوامل الاختلاف دون عوامل الوحدة بين التيارات الإسلامية ؟ . ***
س 16: ما موقفهم مثلا من المؤسسات الدينية كالأزهر الشريف في مصر هل ما زالوا ينظرون إليه كمنافس لهم أم كشريك في الدعوة ؟ وهل يؤثر الاختلاف المذهبي على هذه المواقف ؟ . الجواب: ليست المشكلة مع " الأزهر " هي كونه مخالفا في المذهب، أو الاعتقاد، وإنما في كونه غدا مؤسسة رسمية تابعة للسلطة، ينحصر دورها في تحقيق رغبات الحكام . يقول الدكتور هاني السباعي - حفظه الله - في مقال له بعنوان: " أسباب تهميش واحتواء دور المؤسسات الدينية ": ( لقد تم احتواء وتهميش دور المؤسسات الدينية في الحياة السياسية عبر حقب تاريخية متعاقبة، منذ محمد على باشا، مرورا بالحقبة الخديوية والملكية، حتى العهد الجمهوري يرجع ذلك إلى عدة أسباب: السبب الأول: عدم استقلالية علماء الأزهر ماليا، وحل الأوقاف الأهلية، مما أضعفهم، وجعلهم مرتبطين بالحكومة. في عهد المماليك والعثمانيين، ونتيجة لعدد من العوامل الداخلية، أهمها الاستقلال المالى والعلمي، ومكانة علماء الأزهر في المجتمع أضحى " الأزهر " مستقلا في ممارسة دوره ـ وليس تابعا للسلطة ـ مما جعل الدين يحتل مكان الصدارة في المجتمع، ويصبح معه علماء " الأزهر " صفوة المجتمع . لكن وجه محمد على أول ضربة لـ "لأزهر "بالقضاء على كبار علمائه، الذين كانوا يمثلون الزعامات الشعبية، فتخلص منهم بالقتل أو السجن، أو بالنفي، أو بالأبعاد " أقول ثم جاء ضباط يوليوا 1952 م فأجهزوا على الرجل المريض بل أطفؤوا بقية قناديل الجامع العريق التي كانت تبدد ظلام الجهل وظلم الحكام .. أضعف النظام الناصري من استقلال العلماء من خلال سياسته تجاه المؤسسات الإسلامية التي انطلقت من عدة محاور تمثلت في القضاء على استقلال العلماء المالى بإصدار قانون إلغاء الوقف الأهلي، وتحويل جانب كبير من أراضي الأوقاف لوزارة الإصلاح الزراعي، فضلا عن إلغاء المحاكم الشرعية ـ ( ألغيت المحاكم الشرعية بالقانون رقم 462 / 1955 ) ـ والقضاء على أي دور محتمل يمكن أن يؤديه الأزهر في شؤون المجتمع باستقلال عن الدولة، وذلك بإصدار قانون إعادة تنظيم الأزهر . أقول هكذا قضي جمال عبد الناصر على دور " الأزهر " في كافة المناحي الحياتية، وصار " الأزهر " مقعدا لا يستطيع حراكا .. السبب الثاني: عدم استقلالية الأزهر علميا، وتدخل الدولة في تعيين شيخ الأزهر، وحمل بعض مشايخ الأزهر لشهادات دكتوراه من دول غربية .. وكان لهذا أثر سلبي في شخصية عالم الدين وطريقة تفكيره الشرعية .. وفي عهد الشيخ محمود شلتوت ( 1958 ـ 1964 ) .. صدر القانون رقم 103 لسنة 1961 م المعروف باسم قانون تطوير الأزهر .... وقد أريد به في حقيقة الأمر مسخ الأزهر وتخريبه باسم التطوير . لقد أنشئت بموجب هذا القانون كليات جديدة هي الطب والهندسية والصيدلة وطب الأسنان والعلوم والتجارة والزراعة والتربية بالإضافة إلى كليات الأزهر الأصلية، وهي كلية أصول الدين، وكلية الشريعة، وكلية اللغة العربية .. ولقد استتبع إنشاء هذه الكليات تغيير مناهج التعليم الأزهري في المرحلتين: الإعدادية والثانوية، فأصبح على طالب الأزهر أن يدرس المناهج التي تدرس في المدارس المدنية كاملة بالإضافة إلى مناهج الأزهر . وكان لا بد من مسخ العلوم الأزهرية حتى يخفف العبء على الطلاب . وبسبب هذا الازدواج في المنهج ( العلوم الأزهرية إضافة إلى علوم المدارس المدنية ) هبط مستوي الطلاب الأزهريين إلى أدني المستويات . وأكثر من هذا ضاعت هوية الطالب الأزهري التي كانت تتشكل من خلال المناهج الإسلامية التي كان يدرسها في المرحلتين الابتدائية والثانوية القديمة ... ولعل هذا كان الهدف الحقيقي من القانون رقم 103 / 1961 م أقول واستمرارا لنزع مهابة العلم الشرعي من علماء الأزهر؛ تم إرسال كثير منهم للحصول على نيل درجة الدكتوراه من الجامعات الغربية .... ومن ثم فقد نزعت الأنظمة هيبة العلماء من صدور الناس !! فبعد أن كانوا يتلقون العلم من ( شيخ ) صار صاحب الفتوى أو القدوة ( دكتور ) .. ولكن الأخطر من ذلك أن هذه العقليات المعممة جاءت من الغرب بدكتوراه حسب مزاج الحاكم .. حيث استخدم هؤلاء الدكاترة المعممين !! في الدفاع عن قرارات وقوانين الأنظمة الخارجة عن شرع الله .. وإلباسها ثوب الشرع !! هكذا استطاع النظام أن يهمش دور " الأزهر " في المجتمع عبر خطط مدروسة ومنظمة .. فماذا كانت النتيجة؟ بالطبع لصالح النظام .. ) اهـ بتصرف . ***
س 17: هل ما زال من أولوياتهم نقد المذهب الأشعري مذهب الأزهر الاعتقادي وغالبية المؤسسات الدينية في العالم السني كما في مصر وتركيا والمغرب ؟ وإلى أي مدى يؤثر ذلك على توتير " السلفية " للمجال الديني الذي كان منسجما في بلاد كالمغرب ؟ الجواب: ما هو الغريب في نقد المذهب الأشعري ؟ هل يتعالى المذهب الأشعري على النقد ؟ أليست " السلفية " حركة تصحيحية ؟ وما مبرر وجودها إذا لم تقم بنقد الخطأ الديني في المذاهب الأخرى ؟ إن انتشار المذهب الأشعري لا يعطيه حصانة تمنعه من النقد فليس بهذا المعيار يحدد الحق والباطل . ولكن بالمقابل ... ألا يقوم المذهب الأشعري بنقد المذهب السلفي ؟ أليس هذا النقد متبادلا ؟ ألا يعتبر هذا النقد مسألة إيجابية أكثر من كونها سلبية ؟ ومن أين يأتي تصحيح الأخطاء العقدية في حالة انعدام هذا النقد ؟ فهذا الذي يسميه الكاتب " توتير المجال الديني" ليس إلا "تصحيحا للمجال الديني" قد تظهر له بعض الأعراض الجانبية ولكن العاقبة أحمد . ولا نعتقد أنه يوجد من يدعو إلى الانسجام الديني على حساب التصحيح الديني إذ أنه يعني الدعوة إلى الانسجام ولو على الخطأ، ولا نظير لهذا إلا تقديم الوحدة على التوحيد. وحين ندعوا إلى " الانسجام الديني " على حساب " التصحيح الديني " فهذا يستلزم وقف الدعوة للإسلام في البلاد غير الإسلامية؛ لأنها توتير للمجال الديني ! ثم أين هو هذا الانسجام الذي كان موجودا وأفسدته " السلفية " ؟ أليس في كل بلد من بلاد الإسلام انقسامات وفرق وطوائف لا حصر لها ؟ .