أتصمت العصافير / خليف محفوظ
السلام عليكم
رواية أتصمت العصافير أروع رواية عربية قرأتها في السنوات الأخيرة للأديب الجزائري خليف محفوظ ، ولقد فازت بجائزة أبوليوس لأفضل رواية تقدمها وزارة الثقافة الجزائرية لعام 2008
وبعد الأخذ منه مشكورا ، يسرني ان تشاركوني قراءتها
مع المحبة
أتصمت العصافير / خليف محفوظ / الجزائر العربية
أنا لا أتعاطى الكتابة و لست محترف كلمة ، و ما سأرويه لكم هو الذي كتبني على مر السنين ، وشم كلماته في ، فأنا أقرأها عليكم موشومة في الذاكرة و الروح بالإبر و الكحل المسحوق ، بالدم المسفوح.
لست أدري على ماذا تقبض أصابع يدي الآن ؟يختفي هذا الوجه النبيل الذي طالما تطلعت إليه مفتونا حينا وحزينا أحيانا . يطل الآن وجه غابت ملامحه ، وجه مطموس لم يبق منه سوى الإطار الذهبي للنظارة الطبية ، وشعر أبيض يطل عند الأذنين و الجبين .
تلكم هي "فطوم " الظهر المحدودب تركبني فوقه وتقف أمام الشويهات تدندن بكلام لا أذكر منه إلا النغم الحزين.
لم أنس المناوشات التي كانت بيننا ، أجذب منديلها و أنا فوق ظهرها ، فينكشف شعرها الأبيض فأغرز فيه أصابعي مقهقها ، تنزلي عن ظهرها ضاربة إياي على مؤخرتي .
-أيها الشقي ، خذ العصا و اذهب أدر تلك النعجة المجنونة .
آخذ منها العصا راكضا نحو النعجة ، وتبقى هي تصلح شعرها و منديلها . و أعود لاهثا فتقبلني على وجهي وقد أحنت لي ظهرها المحدودب لأمتطيه .
ولزمت الفراش ذات عشية فخرجت مع جدي مسعود بالغنم ، وعندما عدنا مساء كنا قد تأخرنا ، حتى إن أنوار المدينة كانت قد أوقدت فتلألأت من بعيد كالنجوم تبعث في الوحشة و الغموض .
أدخلنا الغنم إلى زريبتها ، وكان جدي مسعود ينادي عليها فلم تكن ترد عليه ، دخلنا البيت فكانت ما تزال نائمة وقد عم الظلام المكان .
أوقد جدي مصباح البترول ثم دنا منها ، وضع يده على أنفها ، ثم على معصمها .وفي صمت غطى وجهها ورفع إلي وجها شاحبا .
-لقد ماتت وحيدة .
بقيت واقفا في الركن أنظر تارة إليه و إليها تارة أخرى .لم أكن أعي تماما الذي حدث ، لكني كنت أحس أن شيئا غريبا قد حصل ،ثم رأيت جدي يجلس عند رأسها وقد وضع خديه على يديه ، ولما رفع رأسه كنت أجلس عند ركبتيه في حيرة . ربت على رأسي وقد أبصرت في عينيه دمعتين سارع إلى مسحهما .واندهشت: كيف جدي يبكي ؟!
قام في حزم فتناول إناء وخرج إلى زريبة الغنم ، ووجدت نفسي وحيدا مع جدتي ، دنوت منها وكشفت عن وجهها ، ناديتها هامسا
-جدتي ،جدتي ...
وكأن الغرفة رددت صوتي فبدا لي غريب الجرس كأنه ليس بصوتي ، ثم وضعت يدي على أنفها كما فعل جدي فكان صلبا باردا كالثلج ، رددت عليها الغطاء وعدت إلى مكاني منكمشا .
ركبني خوف غامض ، أحسست أن جدتي تحولت إلى شيء غريب لا تربطني به علاقة ..
تقلو تحياتي نجمة السماء